احتفلنا يوم الخميس المنصرم بعيد “جسد الرب”، والذي يُحتفل به في إيطاليا وبلدان أخرى يوم الأحد هذا. إنه عيد الإفخارستيا، سر جسد ودم المسيح.
يخبرنا الإنجيل عن حدث معجزة الخبز (لو 9، 11- 19). أودُّ التوقف عند إحدى النقاط التي تستوقفني دائما وتجعلني أفكر. فالحدث يتمّ عند شاطئ بحيرة الجليل، وقد أخذ النهار يميل؛ ويسوع يقلق على الجمع الذي معه منذ ساعات طويلة: إنهم بالآلاف، وهم جائعون. ما العمل؟ التلاميذ أنفسهم يطرحون المشكلة، ويقولون ليسوع “أصرِف الجمع”، كي يذهبوا إلى القرى والمزارع المجاورة فيجدوا لهم طعاما”، لكنَّ يسوع يقول لهم: “أعطوهُم أنتم ما يأكلون”(الآية 13). فيشعر التلاميذ بالحيرة، ويجيبوه: “إن ما لدينا لا يزيدُ عنخمسة أرغفة وسمكتين”، وكأنهم يقولون: إنه بالكد ما قد يكفي لنا.
كان يسوع يعلم جيدا ما يجب فعله، لكنه أراد أن يُشرك تلاميذه، يريد أن يُعلِّمهم. فتصرّفهم هو تصرف إنساني، يبحث عن الحل الأكثر واقعية، والذي لا يسبب مشاكل كثيرة: أصِرف الجمع – يقولون-، كي يتدبر كل واحد أمره. فقد قمتَ بالفعل بالكثير من أجلهم: لقد وعظتَ، وشفيتَ المرضى… أصِرف الجمع!
أما تصرّف يسوع فهو مختلف تماما، وهو مستوحى من اتحاده بالآب ومن شفقته على الجمع، إنها رحمة يسوع تجاهنا جميعا: فيسوع يشعر بمشاكلنا، ويعرف ضعفنا، ويشعر باحتياجاتنا. أمام الأرغفة الخمسة، فكّر يسوع: إنها العناية الإلهية! فمن هذا القليل، يمكن لله أن يوفر ما هو ضروري للجميع. يتكّل يسوع بالكامل على الآب السماوي، واثقا في أنه يستطيع كل شيء. ولهذا يطلب من الرسل أن “يجلسوا الجمع في مجموعات، كل مجموعة نحو الخمسين- والأمر هنا ليس مصادفة، لأن هذا يعني أنهم ليسوا بعد الآن جمعًا، بل قد تحوّلوا إلى جماعة تتغذى من خبز الله. ومن ثم يأخذ الأرغفة والسمكتين، ويرفع عينيَه نحو السماء، ثم باركها – وهنا إشارةواضحة إلى الإفخارستيا-، ثم يقسمهم ويبدئ في إعطائهم لتلاميذه ليقدِّموا للجمع… فيشبع الجمع من الخمس خبزات والسمكتين! ها هي المعجزة: أكثر من التكثير هي المشاركة، التي ينعشها الإيمان والصلاة. فالجميع قد أكلوا وشبعوا حتى فاض عنهم: وفي هذا إشارة ليسوع، خبز الله للبشرية.
إن الرسل قد رأى ولكنهم لم يفهموا الرسالة جيدا. فقد فرحوا، وامتلأوا بالحماسكبقية الجمع. فهم مرة أخرى يتبعون المنطق البشري، وليس منطق الله، أي الخدمة، المحبة والإيمان. يدعونا عيد “جسد الرب” للارتداد نحو الإيمان بالعناية الإلهية، لتعلم تقاسم قليلنا، القليل الذي نملكه، وعدم الانغلاق على أنفسنا. لنطلب من العذراء مريم أمنا أن تساعدنا في هذه التوبة، كي نتبع حقا يسوع أكثر، يسوع الذي نعبده في الإفخارستيا.
© جميع الحقوق محفوظة 2013 – حاضرة الفاتيكان