عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي- في استقبال تمثال العذراء أمّ النور في بكركي – الأحد 9 حزيران 2013

“ها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال”

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

1. يسعدنا أن نستقبل معكم، ، أمّنا مريم العذراء، أمّ الكنيسة وسيدة لبنان، باستقبال تمثالها، تمثال مريم أمّ النور، في هذا الكرسي البطريركي الموضوع تحت حمايتها. نستقبلها في ختام زيارتها إلى الأبرشيات والمناطق اللبنانية التي بدأتها في أول أيار. وسنختمها رسميًا في الأحد المقبل 16 حزيران، بتدشين بازيليك سيدة لبنان – حريصا بعد ترميمها، وبتكريس لبنان لقلب مريم الطاهر، بحضور رسمي كنسي ومدني.

تأتي هذه المناسبة المثلّثة: الزيارة والتدشين والتكريس، في إطار سنة الإيمان التي نعيشها وتقتضي منّا إعلان إيماننا بالقلب واللسان والعمل، والاستعداد للاحتفال بمرور 60 سنة على السنة المريمية(1954). في تلك السنة المريمية طاف تمثال “مريم أمّ النور” على 426 بلدة لبنانية، من 30 أيار حتى 20 تشرين الأول من السنة عينها، في ذكرى مرور مئة سنة على إعلان عقيدة الحبل بلا دنس، وخمسين سنة على إنشاء معبد سيدة لبنان – حريصا لإحياء هذه العقيدة. ويطيب لنا أن نُنشد سويةً معها نشيد التعظيم الذي رفعته الى الله من بيت زكريا وإليصابات، يوم زيارتها، وأصبح نشيد الكنيسة تردّده مع أبنائها وبناتها: “تعظّم نفسي الرب، لأنّ القدير صنع فينا العظائم”(لو1: 46 و 49). كما يسعدنا أن نواصل، اليوم ومن هنا، مسيرة الأجيال التي طوّبتها، كما تنبّأت: “ها منذ الآن تطوّبني جميع الاجيال“(لو1: 48). وفي الوقت عينه نقول لها مع إليصابات: “من أينَ لي أن تزورني أمُّ ربّي!“(لو1: 43).

2. إنّ نشيد “التعظيم لله” و “التطويب لمريم” قد ارتفع ويرتفع من قلوبٍ مُحبّة لله ولمريم، أمّ الله وأمّنا، رفعته الصلوات والابتهالات والأناشيد والزغردات والدموع والأزهار وأقواص النصر والبيارق والأعلام التي استقبل بها اللبنانيون، مسيحيون ومسلمون، زيارة العذراء “أمّ النور” بتمثالها، بالرغم من التعتيم الإعلامي ويا للأسف، لأنّ الإعلام بات يسكر بأخبار الدم والحرب والنزاعات والإساءات وافتعال الأكاذيب. ورفعت نشيد التعظيم والتطويب، بنوع خاص، القلوبُ والنفوسُ التائبة التي اغتسلت بنعمة الغفران والمصالحة في سرّ التوبة، بفضل زيارة مريم لهم في مناطقهم وبلداتهم ومدنهم. لقد زارتهم خلال هذا التطواف في بيوتهم وعائلاتهم، في قلوبهم ونفوسهم. وحرّكتهم بنعمة المسيح والروح القدس، تمامًا كما جرى يوم زارت مريم بيت إليصابات، فامتلأت إليصابات والبيت من الروح القدس، وتحرّك الجنين يوحنّا فرحًا في بطن أمّه، بحوار صامت عميق مع الجنين الإلهي في بطن مريم. فحيث مريم هناك المسيح، وحيث المسيح هناك الروح القدس، روح الفرح والمحبّة والحقيقة.

3. إنّنا فيما نُرحّب بكم جميعًا، وقد توافدتم من مختلف المناطق اللبنانية، ونحيّي الذين أتوا من البعيد، ولاسيما الآتين من أميركا الجنوبية التي زرناها في الشهرَين الماضيين.

ويسعدنا في هذه المناسبة أن يتولّى خدمة القداس الأطفال الذين احتفلوا بمناولتهم الأولى، من تلامذة ثانوية مار الياس – غزير للراهبات الانطونيات، بعناية الأخت نسرين نجّار. فنحيّي الأسرة التربوية، إدارة ومعلمين ومعلمات، وطلابًا وأهلاً، وعلى رأسهم رئيسة الثانوية الأم جوديت هارون.

4. كما يسعدنا أن نبارك إرسال الراهبتَين: الأخت دومينيك خليل من جمعية راهبات القديسة تريزيا المارونيات، والاخت رولى كرم من جمعية الراهبات الانطونيات. لقد تمّ اختيارهما للدراسات العليا في العلاقات المسكونية في معهد بوسيه بجنيف(سويسرا)، ولعيش خبرة مسكونية فيه. وقد تأمّنت لهما منحتان لبدء السنة الأكاديمية 2013-2014. نرسلهما اليوم رسميًّا باسم الكنيسة وستعودان لخدمة الكنيسة محلّيًا في نطاق النشاط المسكوني، الرامي إلى وحدة الكنائس. إن كنيستنا المارونية ملتزمة بالشركة والشهادة التي دعانا إليها البابا بنديكتوس السادس عشر في الإرشاد الرسولي: الكنيسة في الشرق الأوسط. فمنطقتنا المشرقية التي تعصف فيها أنواعٌ وأنواع من العنف والحرب والإرهاب والنزاع، إنّما تحتاج إلى صوتٍ مسيحي موحّد ينطلق من الكنائس المتنوّعة، ومن المسيحيين الملتزمين بمسيحيتهم، يدعو  إلى المحبّة والوحدة والسلام، ويتجسّد في أفعالٍ ومبادرات تجمع بين الأخوة وتطفئ الأحقاد وتفشِّل كل برامج التفتيت والإضعاف.

5. معكم جميعًا نرفع أنظارنا وقلوبنا إلى “مريم أمّ النور” الحاضرة معنا، ونخاطبها قائلين: إليك يا أمّنا مريم العذراء نرفع، في هذه الليتورجيّا الإلهية، صلاة الشكر على جميع النعم التي أفَضْتِها على اللبنانيين في مختلف المناطق، لقاء محبّتهم لك وتعلّقهم بأمومتك. نشكرك على الرجاءالذي زرعته في النفوس، وعلى السلام والفرح الذي ملأتِ به القلوب. لكنّنا نُصلّي لكي نلتزم كلّنا بزرع هذا الرجاء في نفوس الذين فقدوا الأمل بغدٍ أفضل، أو الرجاء بقدرة الله في تغيير مجرى تاريخ البشر، لكي نلتزمَ ببناء السلام في العائلة والمجتمع والوطن، حاملين رسالة الفرح بالرب، بالرغم من كل شيء. إنّنا نكل إلى عنايتك يا أمّ النور كلَّ الذين خطّطوا ونظّموا ونفّذوا وواكبوا التطواف بتمثالك، ونعني بنوعٍ خاص: القيّمين على معبد وبازيليك سيدة لبنان – حريصا، ورابطة الأخويات، والحركة الكهنوتية المريمية، وإذاعة صوت المحبّة، و TV Charity، وتلي لوميار ونورسات، وخدّام قلب مريم الطاهر. نك
ل إلى عنايتك
 رعاةَ الكنيسة وكهنتَها ورهبانَها وراهباتها وكلَّ المؤمنين الذين استقبلوك، وضحّوا في سبيل نجاح زياراتك. نسأل لهم من الله حمايتك، أيتها الأم السماوية، والنِعم الروحية والزمنية.

6. إنّ لزيارتك يا مريم لهذا الكرسي البطريركي، في ختام تطوافك، مدلولاتها الكنسية والوطنية. لقد رافقتِ مسيرة البطريركية في كلّ محطّاتها من مقام إلى مقام: من إيليج إلى يانوح وهابيل، فإلى قنوبين والديمان، وصولاً إلى بكركي، حيث تتكرّمين فيها أيتها الكلّيّة القداسة كسلطانة الانتقال. فطبعتِ البطريركية وكنيستَنا المارونية بوجهك وروحانيتِك المريمية. لقد حمل أيقونتَك جميعُ أبناء كنيستنا حيثما توجّهوا وحلّوا، في لبنان والشرق وبلدان الانتشار، فتجمّعوا حولك وتوحّدوا في نشيدك: “يا أمّ الله، ياحنونة”، ونعموا بحمايتك، وشيّدوا الكنائس على اسمك.

زيارتك للكرسي البطريركي ليست عابرة، فأنت فيه سيّدته منذ نشأته، وتجعلينه قلب الكنيسة والوطن، وتبثّين فيه الحبّ لكلّ أبناء الكنيسة وبناتها، حيثما وجدوا، ولكلّ مواطن لبناني، بل لكلّ مَن يأتي لبنان ويدوس أرضه. هذا الحبّ النابع من قلب البطريركية لا شروط عنده أو اعتبارات خاصّة، بل حسبه أن يحبّ بقلب المسيح ابنك وبقلبك، من دون قيد او شرط أو تمييز، وأن يحبّ بكل أنواع الحبّ: حبّ الصداقة والأخوّة؛ حبّ الغفران والمصالحة؛ حبّ الاحتمال والصبر؛ حبّ الكلمة التي تبني؛ حبّ الحقيقة التي تحرّر وتجمع.

زيارتك للكرسي البطريركي هي زيارة لكل الكنيسة البطريركية المارونية، أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات ومؤمنين ومؤسسات. وتذكّرنا بأنك مع هذه الكنيسة في كلّ حين، وبأنّك بنيتِ معها محطّات جميلة من تاريخ لبنان.

7. لقد تنقّلت، يا مريم، مع بطاركتنا على قمم الجبال حيث يحلّق النسور، وفي قعر الوادي المقدّس حيث يسكن الحبساء، ولا يرَون إلا وجه السماء؛ تنقّلتِ معهم كالأمّ بطفلها، هربًا من الجور والظلم، ومن وجه الفاتحين، منذ عهد البطريرك الأول القديس يوحنّا مارون، في أواخر القرن السابع، وهم كما كُتبَ عنهم، “حاملون عروشهم على ظهورهم”، من اجل حماية الأغليَينأبناء كنيستهم وبناتها مع حفظ وحدتهم وصفاء إيمانهم الكاثوليكي، على ما هم عليه؛ واستقلالية الجبل اللبناني حتى بلغوا به إلى ما هو عليه اليوم.

إنّنا نعاهدكِ، يا سيدة بكركي وسيدة لبنان وأرزته، بأننا نواصل طريق بطاركتنا وكنسيتنا معك من اجل حماية هذين الأغليين أياهما. نعاهدكِبأنّنا نأخذ بيدنا زمام قيادة شعبنا وهوشعبك، ولن نتركه سلعًا في سوق المتاجرة والمقامرة بكرامته وكرامة وطنه. نعاهدكِ بحمايته روحيًّا وإيمانيًّا وأخلاقيًّا بوجه المادّية والاستهلاكية وقوى الشر المعادية لله وللكنيسة وللقيم. نعاهدكِ  بتعزيزه إجتماعيًّا ومعيشيًّا بالتضامن والتعاون في مبادرات خدمة المحبة وإنماء الشخص والمجتمع، مع كلّ ذوي الارادات الطيّبة. نعاهدكِ بحماية هذا الوطن بوجه العابثين بمصيره وبدوره ورسالته. نعاهدكِبالدفاع عن كلّ مواطنيه، وعن مؤسساته، وعن أرضه التي قدّستها أقدامك وأقدام ابنك المسيح الفادي الإلهي، والتي من عطر هوائها وعبير أزهارها، اتخذت الكتب المقدسة صورًا لتتغنّى بجمال الله وقدسيته وقدرته وعنايته وسمو حكمته. هذه الأرض اللبنانية التي أنجبت القديسين، لن نسمح، بقدرتك وقدرة السيح الاله ابنك، المنتصر على الخطيئة والموت، بأن تصبح أرض الحديد والنار، أرض الخطيئة ضد الله والانسان، أرض الكذب والافتراء والحقد والبغض، بل نعمل بقدرتك وبالنعمة الإلهيّة، على جعلها أرضَ الشركة والمحبة.

أيها الأخوة والأخوات

8. إنّ القوّة التي تدفع بمسيرتنا مع مريم أمّنا وسيدة لبنان إلى الأمام، إنّما نستمدّها من مسبحتها الورديّة. وقد أوحت بها منذ الجيل الثالث عشر للقديس عبد الأحد، وطالبت بتلاوتها في كل ظهوراتها، ولاسيما في لورد وفاتيما، وجعلتها سلاحًا بوجه أعداء الخير، ووسيلة لارتداد الخطأة، وأداة لإحلال السلام، وطريقًا إلى معرفة وجه المسيح من خلال وجه أمه، وحِصنًا يرتفع بالكنيسة نورًا للهداية والحق، ونجمة الرجاء.

إحملوا واتلوا كل يوم مسبحة العذراء قوّةً أمضى من السلاح، وقدرة أقوى من المال، وفاعلية أفعل من السلطة، بل هي تعطي الثلاثة معانيها وحسنَ استعمالها، وهي الينبوع لكلّ خيرات السماء على الأرض ولكل حاجات البشر.

9. إننا ندعوكم للاستعداد طيلة هذا الأسبوع، الذي تتواصل فيه احتفالات التكريم لأمنا مريم العذراء في معبد سيدة لبنان – حريصا، لاحتفال التكريس يوم الأحد المقبل؛ ولتخصيص الأيام الثلاثة الأخيرة السابقة لتكريس لبنان لقلب مريم الطاهر، إبتداء من يوم الخميس، لساعات السجود في الرعايا والاديار، وإحياء رتب التوبة، وإقامة القداديس والصلوات لإعداد القلوب والنفوس لتكريسها مع لبنان، أرضًا وشعبًا ومؤسّسات، لقلب مريم، فيطفح منه، علينا وعلى وطننا وبلدان الشرق الأوسط، التزامُ العدالةِ والفرح والسلام.

ونطلب من وسائل الاعلام، على تنوّعها، ولاسيما تلك التابعة للكنيسة، أن تغطّي هذا الحدث التاريخي الحاسم، وتنقل وقائعه، لكي ينعم جميعُ ال
مشاهدين والسامعين والقارئين بثمار هذا التكريس.

10. ونحن مع سينودس أساقفة كنيستنا البطريركية المارونية، إذ ندخل هذا المساء في أسبوع الرياضة الروحية وأعمال السينودس المقدس، نواكبكم بالصلاة، وأنتم أيضًا، ونُهيّء معكم قلوبنا ونفوسنا وكياناتنا، مع كل اللبنانيين وأبناء كنيستنا وبناتها، في لبنان والمشرق وبلدان الانتشار، لنكرّسها لقلب مريم، فتصبح مسكن الروح القدس الذي يرسلنا من جديد، بدفعٍ إلهيّ، لنشر إنجيل المسيح لخلاص كلّ إنسان.

ويا مريم أمّنا وسيدة لبنان، نرفع معك نشيد التعظيم للآب والابن والروح القدس، إلى الأبد، آمين.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير