ننشر اليوم هذه العظة “العميان يبصرون” للقديس انطونيوس، المعروف بالبادواني، نسبة لمدينة بادو في إيطاليا حيث عاش ومات، بينما هو ذو أصل برتغالي من لشبونة، لمناسبة الإحتفال بعيده الطّقسي في 13 حزيران يونيو.
حين أخرج جثمانه، تبيّن أن الفساد لم يصب لسانه وحنجرته. وما هذه إلا علامة على التميّز الذي اتّصفت به كلمته في خدمة الإنجيل. حتّى أن القديس فرنسيس الأسيزي، بعد أن سمع انطونيوس يعظ ويبشّر، عاد واقتنع بأهميّة الدّراسة لرفاقه في الرهبنة، بعد أن كان أهمل اقتناء الكتب بداعي الفقر.
يظهر انطونيوس في الصورة حاملا الطفل يسوع وصديقا للفقراء. وما زالت كلية اللاهوت التابعة للفرنسيسكان في روما، الأنطونيانوم، تقدّم يوميا حساء للعامة: خبز الكلمة وخبز الجياع. كما جرت العادة أن يتمّ تبريك خبز القديس انطونيوس في البازيليك التي تحمل اسمه في روما ثمّ يوزّع على العائلات والمرضى.
هذا الغنى الموجود في عظات أنطونيوس دفع البابا بيوس الثاني عشر لإعلانه معلّما للكنيسة في العام 1946. تزخر حياته بالحكايات، ويخبرنا التّقليد الفرنسيسكاني أنّه كان يتكلّم إلى الأسماك أو يخبر قصصا عن الحيوانات ليشرح للنّاس كيف أنّ لكلّ خليقة الموهبة على تمجيد الخالق على طريقتها.
العميان يبصرون
العميان يبصرون، العرج يمشون، البرص يبرأون، الصمّ يسمعون، الموتى يقومون، والمساكين يبشّرون.
لنتأمّل في معنى كلّ صفة من هذه الصفات: العميان هم المتكبّرون، العرج هم المنافقون، البرص هم الأغنياء، الصمّ هم البخلاء، الموتى هم الشّرهون، والمساكين هم المتواضعون.
العميان يبصرون
هكذا يقول لنا أشعيا: ستبصر النّور عيون العميان، حين يخرجون من الظّلمة. من كان أعمى غير الّذي قد بيع؟ من كان أعمى سوى خدّام الرّب؟ أنت الذي ترى كثيرا من الأشياء، ألا تقدر أن تبصر؟ في يومنا هذا، العميان والمتكبّرون هم خدّام الرب، أو من يظهرون بهذا المظهر. هم متكبّرون لأنّهم يقرأون الكتب المقدّسة ويعلّمون أشياء عديدة، لكنّهم، هم أنفسهم، لا يلتزمون بتعاليمهم. ينظرون إلى أعمال النّاس ولا يرون أعمالهم الشخصيّة. قد نتفهّم أن يكون لدى العلمانيين طموحات معيّنة، أمّا أنتم يا رجال الدّين المثقّفون، فلماذا تتكبّرون وتصعدون إلى السّطوح لتصرخوا وتنادوا. الويل، يقول اشعيا، للشّعوب التي تهدر كالبحر. بينما المتواضع، يتابع قائلا، لا يصرخ ولا يسمع له صوت. المدينة المتكبّرة ستأكلها الأشواك والعلّيق، أي المحن والأحزان. التكبّر يعمي بصيرة الرّوح، فيحول دون أن ترى مدينة الأفراح الأبديّة. لتراها، امسح عينيك بندى التّواضع. فيقول لك يسوع حينها: انظر، تواضعك أنار عينيك…
العرج يمشون
لا يستطيع المنافق أن يسير على طرقات الحياة. لأنّ فاعل الشرّ يخشى النّور ويخاف أن تظهر أعماله إلى العلن، كما يقول يوحنا. ويحذّر أشعيا المنافقين قائلا: الويل لكم يا من تخفون الظّلم في أعماق قلوبكم، كي لا يرى الرّب أغراضكم؛ أعمالكم تفعلونها في الخفاء، وتقولون: من سيرانا، من سيحاسبنا؟ المنافق يعرج. له قدم على الأرض وقدم في الجو. أمّا القدم في الجو فهي مظهره الفقير، والتّواضع في كلامه، والشحوب على وجهه. هو يبتغي المديح، فيحاول الظّهور بمظهر القدّيس، وهذه هي القدم التي يضعها على الأرض. في كتاب الملوك الأول شرح لهذا الكلام “كان مفيبوشث يعرج بالقدمين”. قدماه هما الرّغبة والأعمال. من يعرج يصاب بالضّياع الأبدي، وهذا معنى الإسم مفيبوشث. وللخروج من هذه الدوّامة، علينا أن نسير باستقامة، ونجعل الإرادة الطيّبة محرّكا لرغباتنا، والتّواضع سمة لأعمالنا. هكذا يمشي العرج.
البرص يبرأون
نقرأ في كتاب الملوك الثاني قصّة نعمان، رجل غني صاحب سلطة، لكنّه أبرص. فحيث تفيض الثروات وتكثر الأطايب، يملك جذام الشّهوة. ويربط أشعيا أيضا بين الأموال والثّروات التي لا تحصى، وبين الناس الذين تتملّكهم الشّهوة. سفر الخروج يخبرنا كيف استعمل الذّهب لسبك عجل الشّهوة الجامحة… ويقول أيوب عن الشهوة “إنها النار التي تأكل كلّ شيئ وتبيد النّسل”. أيها البرص، اغتسلوا جيّدا وكونوا أنقياء. أزيحوا من أمام أنظار الرّب أفكاركم القذرة، وكفّوا عن فعل الشّر في أجسادكم لكي نستطيع القول: البرص يبرأون.
الصّم يسمعون
في هذا اليوم قال أشعيا “الصمّ يسمعون كلام الكتاب”. الصّم هم البخلاء والمرابون، الذين صمّ آذانهم رنين نقودهم. هم، كما يصفهم المزمور “كالأفعى الغاضبة الّتي تسدّ أذنها”. فالأفعى تضع أذنا على الأرض وتسدّ الأذن الأخرى بذيلها، كي لا تسمع صوت السّاحر.
***
نقلته إلى العربيّة بياتريس طعمة ـ وكالة زينيت العالميّة ـ