ننشر في ما يلي العظة التي تلاها البابا فرنسيس يوم الأحد 29 أيلول بمناسبة يوم معلمي التعليم المسيحي في إطار سنة الإيمان وحضره أكثر من 100000 شخص.
***
1-"ويل للمطمئنين في صهيون والآمنين ... يضجعون على أسرة من عاج" (عاموس 6: 1، 4). يأكلون ويشربون ولا يكترثون لمشاكل الآخرين.
كلمات قاسية، كلمات النبي عاموس هذه، ولكنها تحذرنا من خطر نواجهه جميعًا. ما الذي يندد به هذا الرسول، ما الذي يضعه نصب أعين معاصريه وأعيننا؟ خطر الإنغماس والراحة والدنيوية في الحياة والقلب، وأن تكون ملذاتنا مركز اهتمامنا. هذه هي أيضًا تجربة الغني في الإنجيل، الذي كان يرتدي الملابس الفاخرة، ويتنعم يوميًّا بمائدة الأغنياء؛ هذا ما كان يهمه. لم يكن يهتم بالفقير الذي كان على بابه ولا يملك ما يأكله فهذه لم تكن مشكلته. إن أصبح المال والدنيوية مركز حياتنا، يسيطران علينا، ويتملكاننا فنفقد هويتنا كبشر: الغني في الإنجيل لا اسم له هو ببساطة "الغني".الأمور التي يمتلكها تقتصر على هويته، لا يملك أي شيء آخر.
ولكن فلنحاول أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن أن يحصل هذا؟ كيف يمكن أن يقع البشر، ولربما نحن أيضًا، في خطر الإنغلاق، ووضع ثقتنا في الأشياء، التي في نهاية المطاف تسرق هويتنا البشرية؟ هذا يحصل حين نفقد ذكرى الله، وإن فقدناها ينحصر كل شيء بالأنا. فيفقد كل شيء كالحياة والعالم والآخرين اتساقه ويتحول لبعد واحد: التملك. إن فقدنا ذكرى الله نفقد نحن أيضًا من اتساقنا، ونفرغ أنفسنا ونخسر هويتنا على مثال الغني في الإنجيل! وكما يقول النبي العظيم إرميا من يركض وراء العدم يصبح بنفسه باطلا (2، 5). نحن خلقنا على صورة الله ومثاله، لسنا بأشياء ولا بأصنام!
2-لذلك، وأنا أنظر إليكم، أتساءل: من هو معلم التعليم المسيحي؟ إنه الذي يحافظ على ذكرى الله ويغذيها؛ يحفظها في نفسه ويعرف كيف يوقظها في الآخرين. إنه لأمر جميل: أن نتذكر الله، على مثال العذراء مريم، وأمام العمل الرائع الذي حققه الله في حياتها، لم تفكر في الشرف، والمكانة، والثروات، لم تنغلق على نفسها، بل على العكس، بعد أن بشرها الملاك بأنها تحمل ابن الله ماذا فعلت؟ توجهت الى نسيبتها اليصابات، التي كانت هي أيضًا حاملا لمساعدتها؛ ولقاؤها بها هو ذكرى الله، وآمانة الله في تاريخ شعبه، وتاريخنا، وهذا ما قالته مريم ذاكرة الله: "تعظم نفسي الرب...لأنه نظر الى تواضع أمته...ورحمته من جيل الى جيل" (لوقا 1، 46، 48، 50).
في نشيد التعظيم هذا الذي تلته مريم هناك أيضًا ذكرى تاريخها الشخصي، تاريخ الله معها، تجربة ايمانها الشخصية. وهذه هي الحال بالنسبة لكل واحد منا، لكل مسيحي: يحوي الإيمان حقًّا ذكرى تاريخ الله معنا، تاريخ اللقاء مع الله، هو الذي يخلقنا ويخلّصنا ويحوّلنا؛ الإيمان هو ذكرى كلمته التي تثلج قلوبنا، ذكرى أفعال خلاصه التي من خلالها يعطينا الحياة، ويطهرنا، ويهتم بنا، ويغذينا. إن معلم التعليم المسيحي هو فعلا مسيحي يعلن هذه الذكرى؛ لا لكي يصبح محط أنظار، ولا لكي يتحدث عن نفسه بل ليتحدث عن الله، ومحبته وأمانته.
يطلب القديس بولس من تلميذه تيموتاوس بشكل خاص شيئًا واحدًا: تذكر يسوع المسيح، القائم من بين الأموات، الذي أعلن عنه وأعاني من أجله (راجع تيم 2، 8- 9). يمكن لبولس أن يقول ذلك لأنه هو قد تذكر المسيح الذي دعاه حين كان يضطهد المسيحيين، فلمسه وغيره بنعمته.
إذا معلم التعليم المسيحي هو مسيحي يحمل في داخله ذكرى الله ويدعها تقوده كل حياته ويعلم كيف يوقظها في الآخرين. هذا واجب يستلزم كل الحياة! التعليم المسيحي بنفسه، ماذا سيكون إن لم يكن ذكرى الله، ذكرى عمله في التاريخ، بفعل أنه تقرب منا بالمسيح، الحاضر في الإنجيل، وفي الأسرار، وفي الكنيسة، وفي محبته؟
أيها المعلمون الأعزاء أود أن أسألكم: هل نحن ذكرى الله؟ هل نحن حقًّا كحراس نوقظ عند الآخرين ذكرى الله التي تثلج القلوب؟
3-"ويل للذين يأتون مطمئنين الى أورشليم" أي طريق يجب أن نسلك لكي لا نكون أشخاصًا "مطمئنين جدًّا" يضعون ثقتهم في انفسهم وفي الأشياء، بل لنكون رجالًا ونساء من ذكرى الله؟ في القراءة الثانية من رسالة القديس بولس الى تيموتاوس يكتب الرسول بعض المؤشرات التي يمكن أن تميز طريق معلم التعليم المسيحي، طريقنا: اقتفاء "العدل والتقوى والإيمان، والمحبة والصبر والوداعة" (1 تيموتاوس 6، 11).
إن معلم التعليم المسيحي هو رجل ذكرى الله إن كان يحافظ على علاقة ثابتة وحيوية معه ومع قريبه؛ إن كان رجل إيمان يملك ثقة بالله؛ إن كان رجل خير، ومحبة، يعتبر الجميع كإخوته؛ إن كان رجل صبر ومثابرة، يعي كيف يتخطى المصاعب، والتجارب، والفشل بصفاء ورجاء بالرب؛ إن كان رجلا لطيفًا وقادرًا على التفهم والرحمة.
فلنصلِّ للرب لنكون كلنا رجالا ونساء نحتفظ بذكرى الله في حياتنا ونغذيها، ونعلم كيف نوقظها في قلوب الآخرين.
آمين.
***
نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية