قال البابا فرنسيس: لأجيب على هذا السؤال أود أن أستعين بمقطع من رسالة القديس بولس إلى مسيحيّي أفسس، يؤكد فيه الرسول انطلاقًا من العلاقات العائليّة أن: “المسيح أَحَبَّ الكَنيسة وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها لِيُقدَسَها” (أف 5، 25- 26). المسيح أحب الكنيسة واهبًا نفسه بكليتها على الصليب، ما معنى كلّ هذا؟ أضاف الأب الأقدس يقول، هذا يعني أن الكنيسة مقدّسة لأنها تنبثق من الله القدوس، فهو أمين لها ولا يتركها ولا يسمحُ لسلطان الموت والشر بأن يقوى عليها (راجع متى 16، 18)، أنها مقدّسة لأن يسوع المسيح، قدّوس الله (راجع مر 1، 24) اتحد بها بشكل دائم “حتى نهاية العالم” (متى 28، 20)؛ هي مقدسة لأن الروح القدس هو الذي يقودها ويطهّرها، يحوّلها ويجدّدها. فقداستها ليست بفضلنا وإنما لأن الله هو الذي يقدّسها، وهذه القداسة هي ثمرة الروح القدس ومواهبه.
تابع الأب الأقدس يقول: قد تقولون لي أن الكنيسة مكونّة من أشخاص خطأة وهذا ما نراه يوميًّا، وهذا صحيح: نحن كنيسة خطأة ونحن الخطأة مدعوون لنسمح لله بأن يحولنا ويجدّدنا ويقدّسنا. لقد حاول البعض عبر التاريخ التأكيد على أن الكنيسة هي كنيسة الأطهار فقط ويجب إبعاد الآخرين! أقول لكم لا! لأن الكنيسة المقدّسة لا ترفض الخطأة بل تقبلهم، وهي منفتحة أيضًا على البعيدين، وتدعو الجميع ليستسلموا لغمرة الآب الحنون والرحوم والغفور الذي يقدّم للجميع فرصة اللقاء به والسير معه نحو القداسة.
أضاف الحبر الأعظم يقول: قد تقولون لي، يا أبتي أنا خاطئ وخطاياي كبيرة كيف يمكنني أن أشعر بأنني جزء من الكنيسة؟ أخي العزيز وأختي العزيزة، هذه هي رغبة الرب بالذات، أن تقول له: “يا رب، هاءنذا هنا بخطاياي. سامحني! ساعدني على السير وحوّل قلبي!” فالله الذي نلتقيه في الكنيسة ليس ديَّانًا قاسيًا بل هو كذلك الأب الذي يخبرنا عنه الإنجيل، يمكنك أن تكونَ كالابن الذي ترك البيت ولمس عمق بعده عن الله، وعندما تعزم على العودة إلى البيت ستجد الباب مفتوحًا والله الذي يركض إليك لأنه ينتظرك دائمًا، فيعانقك ويقبّلك ويحتفل بعودتك. هكذا هو الرب وهذا هو حنان الآب!
تابع البابا فرنسيس يقول: الرب يريدنا جزءاً من كنيسة تعرف كيف تفتح ذراعيها لتقبل الجميع، كنيسة تكون بيتًا للجميع حيث يمكنهم أن يتجدّدوا ويتحولوا ويتقدّسوا بحبها، بيتًا للأقوياء والضعفاء، للخطأة ولغير المبالين ولمن فقدوا الشجاعة وأضلوا الطريق. فالكنيسة تقدم للجميع فرصة السير على درب القداسة، درب كل مسيحيّ: هي تجعلنا نلتقي بيسوع المسيح من خلال الأسرار لاسيما سريّ التوبة والافخارستيا، تمنحنا كلمة الله وتحينا بالمحبة: محبة الله للجميع. لنسأل أنفسنا إذا: هل نسمح للكنيسة بأن تقدسنا؟ هل نحن كنيسة تدعو الخطأة وتقبلهم بذراعين مفتوحتين وتمنحهم الشجاعة والرجاء أم أننا كنيسة منغلقة على نفسها؟ هل نحن كنيسة تُعاشُ فيها محبة الله، يهتم فيها الواحد بالآخر ونصلي فيها بعضنا لبعض؟
أضاف البابا يسأل: ماذا يمكنني أن أفعل أنا الذي أشعر بضعفي وبخطيئتي؟ الله يقول لك: لا تخف من القداسة ولا تخف من النظر إلى العُلى، ومن أن تسمح لله بأن يحبّك ويطهرك وللروح القدس بأن يقودك! لنسمح لقداسة الله بأن تُعديَنا! كل مسيحي مدعو للقداسة، والقداسة لا تقوم على فعل أمور خارقة، بل بالسماح لله بأن يعمل فينا. إنها لقاء ضعفنا بقوة نعمته، إنها ثقة بعمله الذي يجعلنا نعيش في المحبة ونقوم بكل شيء بفرح وتواضع من أجل مجد الله وفي خدمة القريب.
ختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول: اعتاد الفيلسوف الفرنسي ليون بلوا أن يقول في آخر أيام حياته: “هناك تعاسة واحدة في الحياة وهي ألا نكون قدّيسين”. لا نفقِدَنَّ الرجاء إذا في عيش القداسة، ولنسر جميعًا في هذا الطريق. نريد أن نكون قدّيسين؟ لنعش إذا إيماننا بفرح ولنسمح للرب بأن يحبَنا… ولنطلب هذه النعمة من الله بالصلاة من أجلنا ومن أجل إخوتنا.