العائلة المسيحيّة ثقافة غفران

لماذا على الأزواج أن يشرعوا في طلب الغفران من بعضهم البعض؟ هل المغفرة تحط من كرامتهم أم  أنّها ضعف؟ هل يقل شأن الرجل إذا قال لزوجته سامحيني أو العكس؟  والى أين يقود التمادي في رفض المغفرة وما هي نتائج المصالحة على الصعيدين النفسي والعلائقي داخل الأسرة وخارجها؟ أسئلة تتطلب الكثير من الصفحات والتحليلات والبيانات والوثائق. غير أننا سنكتفي بقدر المستطاع أن نعرض عليكم أيها الأزواج، بعض المبادىء الأساسيّة التي وجب أن تأخذوها في حسبانكم والتي تساعدكم في عيش حياة ملؤها سعادة وفرح بحضور الله المحبة في وسطكم (راجع، مت1: 22).

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عليكم أن تدركوا أولاً، أنه في الزواج ستكتشفون أمرًا هاما، ستواجهونلا محال واقعكم النفسيّ والجسديّ والروحيّ والعلائقي بالتمام بكل تفاصيله وأبعاده، وهذه المرّة بطريقة مجرّدة دون أية إضافات.

ثانياً، عليكم أن تشرعوا فوراً في عمليّة المسامحة، لماذا؟ لأنّكم في هذا الواقع تكتشفون أنّكم محدودون لا محال، فالصورة الجميلة التي إظهرتموها سابقاً عن ذواتكم، ها هي ماثلة أمامكم، سترون فيها وعن كثب بعض التجاعيد والجروح والهشاشة وربما بعض البشاعة، إنكم بكلام آخر ترون ذواتكم من خلال بعضكم البعض، فما تكتشفه في الآخر من نقص ومحدودية، هو أنت بالذات، فشريكك/شريكتك هي صورتك مرآتك[1]!!! ما العمل إذاً، الأمر سهل.

ثالثاً، أنظروا الى الله، كيف أنّه يعطف على ضعفكنيسته، ويشفق عليها ويرفق بحالها(خر:2: 6؛ أش54: 8؛ يون4: 10) ألم  يرسل إبنه الوحيد ليخلّصها من على الصليب (راجع، يو3: 17؛ 6: 57) ويزفّها له عروساً بهية لا تجعّد فيها (راجع، أفس5: 26- 27)؟ ولأنه يعرف حقيقةالأزواج أنّهم من تراب والى التراب يعودون (راجع، تك2: 7)فهو كرأفة أب ببنيه يرأف بهم (راجع، مز103: 8)،  لا يلقي عليهم أحمالاً تفوق طاقاتهم (راجع، رؤ2: 24)،ولكّنه في المقابل، يطلب منهم أن يتمسّكوا بما عندهم، أي من محبّة ليسوع عريسهم الوحيد، وهذه المحبّة جمعتهم في سرّ الزواج المقدّس (راجع، تك2: 24؛ مت19: 6)دعتهم في الوقت عينه، أن يكونوا شهوداً لها في حياتهم الزوجية والأسريّة، من خلال حفظ وصايا الرب (راجع، 1يو 4) التي تتطلّب أولاً وآخراًمحبّة الآخر (راجع1يو 2: 10) وهذه المحبّة تجذبهم في عيش ثقافة المغفرة«فإن كنتم تغفرون للناس زلاتهم، يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم، وإن كنتم لا تغفرون للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم» (مت6: 14- 15). فأمام قساوة الخطيئة وعدم الأمانة لنعمة العماد المعلن عنها «مجددا في سرّالزواج»[2]، تحتّم على الأزواج أن يأتوا فوراً الى يسوع لأنه سيجدوه في سرّ التوبة، ملقين عليه ثقل خطاياهم، لأنّه يريد تحرير قلوبهم من ثقل الخطيئة ومرارتها  (راجع،مت 11: 28؛ لو 15: 11- 32) لأنّالإنقسام الداخلي الذي تسببه الخطيئة [عرضية كانت أو مميتة] تفتّت الحياة الأسرية، ويكبّد الكثير من العناء والصراعات الدامية بين الأزواج (راجع، مت12: 25؛ لو11: 17)«الله أمّن طريقة للنّجاة من الخطيئة، أوجد الله أدوية للجسم إذا مرض، والنفس هل يتركها بدون دواء عند مرضها؟»[3]. لذا عليهم «ألاّ يتخاذلوا، يل فليضرعوا دائماً بتواضع الى رحمة الله التي يفيضها سر التوبة بغزارة»[4].

رابعاً، وهل هناك أهم من الحوار؟ فلنتحاور بجوّ من الصدق والمحبّة، وليكن عمدة علاقاتنا، لأنه يذلل الكثير من الصعاب، ويفضح حيل العدو ويكشف مشروعه الخفيّ.

خامساً، ولنضع خطة عمليّة في كيفيّة معالجة المشكلة بروح المغفرة والحنان والرأفة. وعلينا أن لا تغرب الشمس على غضبنا (راجع، أف4: 26)، أي أن نسرع مباشرة في معالجة الأمور العالقة.

من يحبّ يسامح ويرحم ويرأف ويعضد. لهذا إن الحياة الزوجيّة هي تمرّس دائم على ثقافة الحبّ. فنحن نعرف بالإختبار أن الخطأ الذي يرتكبه الإنسان، يجرح نفسهوالآخر، وإذا لم يطبب الجرح، تبدأ مشكلة إستنزاف طاقات الوعي والإرادة والمشاعر، وعند هذه الحالة لا شيء ينفع (راجع، لو8: 40- 56). لذلك على الأزواج أن لا يلجأوا الى الطرق المسدودة، لأنهم سيواجهون الفشل حتماً. الكبرياء وعدم قبول الآخر كما هو، عوامل أساسيّة ستؤدي الى إنهيار الشركة في البيت، وباب يفتح على مصراعيه أمام الشرير وقواته (راجع، مت12: 45).

كلمة إغفر لي تحررك من كل الأوهام والصور والتخيلات  وتعيد إحياء الشريك، فتغيّر مواقفه وتنزع منه فتيلالحرب. سامحني، تفصل بين ماضيك وحاضرك، وتضعك في إنشداد نحو المستقبل المشرق والزاهر. لأنكم أيها الأزواج، قلتم “نعم” للحياة في أبعادها الثلاث: الماضي والحاضر والمستقبل، وهذه النعم، تمكنكم بأخذ عبر الماضي، من أجل حاضر أكثر حياة وفرح نحو مستقبل ملؤه الرجاء والسعادة. فحذار بالعودة الى الماضيومآسيه أونكء الجراح وإثارة المشاكل التي إنتهت [إحياء روح الثأر والإنتقام والتذكير بالأخطاء…] فمن يظل في الماضي لا يعنيه الحاضر ويخاف من المستقبل، فيسوع يبقى للأزواج مثالهم وقدوتهم، هو الأمس واليوم الى الأبد (راجع، عب 13: 8) هو من قَبِلَ تاريخ الإنسانية [وتاريخ الأزواج] المخضّب بالفشل والخيانات، فحوّله الى غفران”هنا والآن” دائم لمحبّة الله الحاضر دوماً وأبداً في الأسرة والكنيسة، نحو”أبدية” حبّ لا تزول(راجع، رؤ21: 4) تتطلّب من الأزواج وعي وإلتزام.

فعندما تعاش المغفرة الحقيقية داخل الحياة الأسريّة، تزدهر قداسة ويسود جوّ الود والسماح والرأفة والحنان في حياة الأولاد، عندها تحققون رسالة الروح القدس، بجعل قلوب الأبناء قلوباً من لحم وليس من حجر (راجع، 1قور3:3)، فطراوة القلب بين أيديكم كما قساوته«إن العنصر الأهم الذي لا غنى عنه في التربية، إنما هو مثل الاهل الواقعي والشهادة التي تؤديها حياتهم»[5].!!!

[1]– راجع،, p 51. ΙΙ     Yves Semen, La spiritualité conjugale selon Jean- Paul

[2]– البابا يوحنا بولس الثاني، في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم، فقرة 58.

[3]– رزق الله سليم (الكبوشي)، إسمعوا صوتي الطوباوي يعقوب الكبوشي، ص 262.

[4]– البابا يوحنا بولس الثاني، في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم
، فقرة 58.

[5]– البابا يوحنا بولس الثاني، في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم، فقرة 60. 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير