كلمة البابا فرنسيس أثناء لقاء السلام بين الرئيسين الفلسطيني والإسرائيلي!

“ما أجمل وما أحلى أن يجتمع الإخوة معاً” (مز 133، 1)

Share this Entry

 السيدان الرئيسان، 

أحييكم بفرح كبير وأود أن أقدم لكما وللوفدين الكريمين اللذين يرافقانكم ذات الاستقبال الحار الذي خصّيتماني به خلال حجي الذي أتممته للتو إلى الأرض المقدسة.

أشكركما من صميم القلب على قبولكما دعوتي للمجيء هنا كي نبتهل معًا من الله عطية السلام. وآمل أن يمثّل هذا اللقاء مسيرة بحث عمّا يوحّد، بغية تخطّي ما يفرّق.

وأشكر قداستكم، أيها الأخ الموقّر برتلماوس، لحضوركم هنا معي لاستقبال هذين الضيفين الكريمين. إن مشاركتكم هي هبة كبيرة، ودعم ثمين، وشهادة للمسيرة التي نقوم بها كمسيحيين نحو الوحدة التامة.

يشكل حضوركما، أيها السيدان الرئيسان، علامة كبيرة للأخوّة، ولتلك الإخوة التي تسعيان لتحقيقها كأبناء لإبراهيم، وكتعبير ملموس عن الثقة بالله، رب التاريخ، والذي ينظر إلينا اليوم كأخوة بعضنا لبعض، ويرغب في إرشادنا للسير على دروبه.

ترافق لقائنا هذا لابتهال السلام في الأرض المقدسة والشرق الأوسط والعالم بأسره، صلاةُ العديد من الأشخاص المنتمين إلى ثقافات وأوطان ولغات وديانات مختلفة: أشخاص صلّوا من أجل هذا اللقاء وها هم الآن متحدون معنا من أجل ابتهال السلام. إنه لقاء يستجيب للرغبة المتّقدة لدى مَنْ يتوقون إلى السلام، ويحلمون بعالم يعيش فيه الرجال والنساء كأخوة لا كخصوم أو أعداء.

أيها السيدان الرئيسان، إن العالم هو إرث نلناه من آبائنا، لكنه أيضا قرض من أبنائنا: أبناء تعبوا وأُرهقوا بسبب الصراعات ويرغبون ببلوغ فجر السلام؛ أبناء يطلبون منا أن نهدم جدران العداوة وأن نسير في درب الحوار والسلام كي تنتصر المحبة والصداقة.

كثيرون للغاية هم الأبناء الذين سقطوا كضحايا بريئة للحرب والعنف، إنهم كزرع سُلخ في أوج نموه. من واجبنا أن نعمل كي لا تذهب تضحيتهم سدى. إن ذكراهم تبث في داخلنا شجاعة السلام، وقوة المثابرة في الحوار مهما كان الثمن والصبر اللازم لننسج يوما بعد يوم شبكة قوية من التعايش السلمي والمتّصف بالاحترام، من أجل مجد الله وخير الجميع.

صنع السلام يتطلب شجاعة تفوق بكثير شجاعة خوض الحروب. نحتاج إلى الشجاعة لنقول نعم للقاء ولا للصدام؛ نعم للحوار ولا للعنف؛ نعم للتفاوض ولا للعداوة؛ نعم لاحترام المعاهدات ولا للاستفزازات؛ نعم للصدق ولا للازدواجية. هذا كله يتطلب شجاعة ومواظبة كبيرة.

يعلّمنا التاريخ أن قوانا وحدها ليست كافية. لقد اقتربنا من السلام أكثر من مرة، لكن الشر نجح في الحيلولة دون ذلك بوسائل مختلفة. لذا نحن هنا، لأننا نعرف ونؤمن بأننا نحتاج إلى عون الله. إننا لا نتخلى عن مسؤولياتنا، بل نتضرع إلى الله كضرب من المسؤولية السامية أمام ضمائرنا، وأمام شعبينا. لقد سمعنا نداءً، وينبغي أن نستجيب له: نداء من أجل كسر حلقة الحقد والعنف، كسرها بكلمة واحدة، ألا وهي: “أخ”. لكن كي نقول هذه الكلمة لا بد أن نرفع كلنا أنظارنا نحو السماء، ونعي أننا أبناء لآب واحد.

أتوجهُ إليه، بروح يسوع المسيح، طالبا شفاعة العذراء مريم، ابنة الأرض المقدسة وأمنا.

إيها الرب، إله السلام، اسمع تضرعاتنا!

لقد حاولنا مرات كثيرة، ولسنوات كثيرة أن نحل صراعاتنا بواسطة جهودنا، وحتى من خلال أسلحتنا؛ لحظات كثيرة من العداوة والظلام؛ دماء كثيرة سُفكت؛ أرواح كثيرة هُدرت؛ آمال كثيرة دُفنت … لكن جهودنا كانت بلا جدوى. الآن ساعدنا أنت يا رب! هبنا أنت السلام، علّمنا أنت السلام، قدنا أنت نحو السلام. افتح عيوننا وقلوبنا وهبنا شجاعة القول “لا للحرب مطلقا!”؛ “بالحرب يُدمّر كل شيء!”. ابعث في داخلنا شجاعة القيام بأعمال ملموسة من أجل بناء السلام. أيها الرب، إله إبراهيم والأنبياء، يا إله المحبة الذي خلقتنا وتدعونا للعيش كأخوة، أعطنا القوة لنكون كل يوم صانعي السلام؛ أعطنا القدرة على النظر بإحسان إلى كل الأخوة الذين نلتقي بهم على دربنا. اجعلنا مستعدين للإصغاء إلى صرخة مواطنينا الذين يطلبون منا أن نحوّل أسلحتنا إلى أدوات سلام ومخاوفنا إلى ثقة وتوتراتنا إلى غفران. ابقِ شعلة الرجاء متّقدة بداخلنا كي نتخذ بمثابرة صبورة خيارات الحوار والمصالحة، لينتصر السلام أخيرا. ولتمحى من قلب كل إنسان هذه الكلمات: انقسام، حقد، حرب! يا رب جرّد اللسان واليدين من السلاح، جدد القلوب والعقول، كي تكون الكلمة التي تجعلنا نلتقي كلمة “أخ”، ويصبح نمط حياتنا: شالوم، باشيه، سلام! آمين. 

***

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية 



Share this Entry

Francesco NULL

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير