عظة المطران بولس مطر لمناسبة اليوم العالمي الثامن والأربعين والذي قدّم على نية الصحافة والإعلام في لبنان والعالم

إحتفل رئيس أساقفة بيروت للموارنة رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، بالذبيحة الالهية على نية الصحافة والإعلام في لبنان والعالم، لمناسبة اليوم الثامن والأربعين لوسائل التواصل الاجتماعي، في كنيسة مار إلياس في القنطاري، عاونه فيها مدير المركز الكاثوليلكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، الخوري طوني ديب والخوري جان الشماس، وشارك فيها إلى لفيف من الكهنة والراهبات، ممثل وزير الإعلام أندريه قصاص، رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، نقيب محرري الصحافة الياس عون، رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ، أمين سرّ اللجنة البروفسور يوسف مونس، مدير عام تيلي لوميار السيد جاك كلاّسي،  الأمين عام لجمعية الكتاب المقدّس الأستاذ مايك بسوس، وإعلاميون وصحافيون ومؤمنون,.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

وبعد الإنجيل، ألقى مطر عظة جاء فيها: “في هذا اليوم الثامن والأربعين لوسائل التواصل الاجتماعي، نلتقي للصلاة مع قداسة البابا فرنسيس، المؤمن بفعالية اللجوء إلى الله في نطاق الشأن العام كما في الحياة الخاصة على التمام. فنستلهم معه الروح القدس من أجل أن نعي وعيا كاملا وندرك إدراكا مسؤولا أهمية رسالة الإعلام التي يحملها العاملون في حقلها بغيرة وإخلاص”.

اضاف: “إن الرسالة الإعلامية هي في الحقيقة مزدوجة الأبعاد. وهذا ما تعنيه الكنيسة عندما تطلق على وسائل الإعلام تسمية “وسائل التواصل الاجتماعي”. فالإعلام هو تواصل أولا، بمعنى نقل الخبر من إنسان إلى آخر، ما يفرض على الناقل أن يكون أمينا للحقيقة في إيصاله الخبر الصحيح، بموضوعية وتجرد وبعيدا عن كل ما تمليه المصالح الذاتية، الخاصة منها والفئوية. وبالتالي فإن هذا التواصل الإعلامي يستدعي يقظة الضمير مع التحلي بالأخلاق السامية، ولو كلف هذا الأمر صاحبه مهما كلف. أما البعد الثاني لعمل الإعلام أو لرسالته السامية، فهو بعد التواصل مع الآخرين بغية خلق روح من التعاون الصادق بين الجميع ونشر ثقافة التضامن والمحبة الشاملة في كل الأرض، وذلك في سبيل بناء إنسانية متصالحة. وعلى هذا الأساس دعي التواصل الإعلامي “تواصلا اجتماعيا”.

وتابع: “انطلاقا من هذين البعدين لمسؤولية الإعلام، يوجه قداسة البابا رسالته لهذا العام، مسلطا الضوء على الإعلام الرقمي الذي سجل بحسب تعبير قداسته فتحا غير مسبوق، ولكن مع الأسف دون أن يكون هذا الفتح فتحا إنسانيا له صفة البناء والتطوير المرتجى لواقع الناس. فالإعلام الرقمي بكل فروعه ومظاهره قد عرف تطورا مذهلا إذ صارت الأخبار بفضله تصل بسرعة البرق إلى أطراف العالم كله. وصار الناس يعرفون عن الناس أشياء كثيرة مذهلة، ولكن دون أن ينفتح بعضهم على بعض ودون أن يتلاقوا فعلا أو يتواصلوا عن طريق الأخذ والعطاء الحقيقيين. فتحولوا إزاء بعضهم البعض إلى أرقام وهمية على الشاشات الصغيرة والكبيرة، وفقدوا صفة اللحم والدم وفرص شبك الأيدي بالأيدي من أجل تبادل إنساني يجمعهم ويؤدي إلى تضامنهم في بناء مشترك يفيدهم ويوفر لهم عالما إنسانيا كادوا اليوم أن يخسروا الرهان عليه. حيال هذا الخطر المداهم في مجتمعنا المعاصر يسأل البابا في رسالته عما يمكن لوسائل الإعلام أن تقوم به لكسر هذه الحلقة الرهيبة ولإعادة التواصل الخلاق بين الأفراد والشعوب. وفي الرسالة عينها يعطي قداسته الجواب، فيؤكد من جديد أن الآخرين هم نظراؤنا، وبالتالي أناس جديرون بالاحترام، لأن الناس جميعهم أخوة، بالأساس والمنطلق كما هم أخوة في الغاية والنهاية. على هذه الحقيقة يطلب البابا أن يبنى عالم التواصل من جديد. فينصح الإعلاميين وسائر الناس مثلهم أن ينظروا إلى الآخرين نظرة إيجابية، وأن يسمعوا لهم بفعل إصغاء حقيقي. كل إنسان يستطيع أن يعطينا ما عنده وما يغني به حياتنا واختباراتنا الأساسية. فإذا ما تحلينا بهذا الموقف الإنساني الشريف، فإننا نجد لنا وللآخرين فرصا جديدة لإقامة الحوارات في ما بيننا وصولا إلى التفاهم والتعاون وصنع السلام. أما التعالي على الآخر فهو تعال على الله بالذات وخروج عن الإنسانية فينا لمجرد إنكارنا لها عند غيرنا، أيا كان هذا الغير”.

واردف: “وللمزيد من الإيضاح حول أهمية التواصل دون حدود، يذكر قداسته بقصة ذلك السامري الصالح الذي ذكره الرب يسوع في إنجيله المقدس، فلقد روى الرب هذه القصة أمام الفريسيين الذين كانوا ينوون إيقاعه في شرك ملغوم عبر سؤالهم له عن الحدود التي يجب رسمها بين القريب وبين الغريب. ذلك أن الكتاب يقول في عهده القديم: “أحبب قريبك وابغض عدوك”. فمن هم الأعداء إذن ومن هم الأقرباء؟ لقد اتخذ الرب هذه المناسبة لكي يرفع الإنسانية كلها إلى أسمى درجات المحبة وذلك بقوله أن الغرباء والأعداء هم غير موجودين في قاموس الله، وأن الناس جميعهم أقرباء لا بل أخوة. أما العداوة فهي من صنع البشر وليست إطلاقا من صنع الله، وهي بالتالي محكومة بالزوال. لهذا يخبر الرب عن يهودي وقع على طريق أريحا فريسة للصوص الذين سرقوه وضربوه وأثخنوا فيه الجراح ثم تركوه على قارعة الطريق بين حي وميت. فمر عليه سامري عدو، لأن اليهود والسامريين جيرانهم كانوا في ما بينهم على عداء مبين. وكان من المفروض ألا يهتم هذا السامري “بالعدو” اليهودي. “ومع ذلك، يقول الرب: “نزل السامري عن دابته وضمد جراح اليهودي المعتدى عليه ثم حمله إلى الفندق وطلب هناك أن يعتنى به واعدا بأنه سيسدد تكاليف هذه العناية بعد عودته من سفر قصير”. عندئذ سأل يسوع أولئك الفريسيين عمن كان قريبا لهذا اليهودي السليب؟”، وكان الجواب بأن: “الذي رحمه صار حقا له قريبا لا بل هو أظهر له أخوة حقيقية”.

وقال مطر: “إن هذا الموقف الذي اتخذه السامري الصالح هو بالذات قادر بنظر البابا لو طبقناه جميعا أن يغير واقع التواصل بين الناس وأن يقلب وجه الكون رأسا على عقب. هذا الانقلاب في العلاقة بين القريب والغريب قد أسس له يسوع عندما هدم العداوة بصليبه وجعل من اليهود والوثنيين واحدا بموته عنهم معا وبقيامته من أجل أن تكون لهم حياة جديدة. من هذا المنطلق يقول البابا أن عالمنا هو عالم واحد، وإن الناس فيه مسؤولون معا عن مصيرهم المشترك. فعليهم أن يبنوا لهم عالما واحدا سيكون في النهاية ملكوت الله. على أن هذا البناء لن يتم إلا بالتضامن الإلزامي بين الجميع وبالتعاون البناء والمصالحة الشريفة عبر خلط الأوراق، فلا عداوة تبقى ولا حدو
د ترفع بين القلوب ولا جدران تفصل على صورة جدار “برلين” الذي سقط منذ عدة سنوات وعلى صورة جدار “فلسطين” الذي هو ساقط لا محالة. إن هذا الجدار قد وقف عنده البابا فرنسيس أثناء زيارته الأرض المقدسة وصلى بدون شك من أجل سقوطه. وعلى إثر هذه الزيارة دعا قداسته الرئيسين العدوين على أرض فلسطين للصلاة معه في روما بعد عودته إليها وهما قد لبيا فعلا دعوته ليكون هذا التلاقي علامة رجاء جديد بالسلام المبني على العدل ولكي توضع حقوق الناس فوق كل اعتبار.

إن هذه المقاربة لمشاكل الأرض هي المطلوبة من الإعلاميين ليساهموا هم أيضا في صنع السلام عبر الرسالة التواصلية التي يخدمون والتي تقدرها الكنيسة حق قدرتها ويحترمها المؤمنون كل الاحترام. من هنا نعود مع هذا الموقف الكنسي الرائع الذي ابتدأنا بتأكيده حول البعدين المعروفين لعمل الإعلام، بعد نشر الخبر الصحيح وعدم التجارة بالحقائق ورفض الارتهان إلا للحق وحده، وبعد الالتزام بقضايا الإنسان وبالأهداف الإنسانية التي ينبغي على الإعلامي أن يتبناها وأن يسعى إلى تحقيقها بكل قلبه وكل قوته”.

وختم: “وهل لنا في هذا المجال وفيما يتعلق بالوضع الراهن للبنان، وطن الرسالة الإنسانية والحضارية بامتياز، وطن الإعلام الحر والملتزم في آن، أن نطالب اللبنانيين بأن يضعوا أنفسهم في خدمة وطنهم وألا يكون الوطن في خدمة أي منهم. إن الوطن اللبناني هو أكبر من طوائفه ولو مجتمعة، لا بل هذه تكبر به وترتاح في ظله. أما إذا ما ابتعدت عنه وانقلبت عليه، فهي بذاتها إلى شرذمة وضياع. فساهموا في إنقاذ وطنكم أيها الإعلاميون الأعزاء وأيها الأخوة اللبنانيون جميعا وليمنحكم الروح القدس في عيد حلوله على الكنيسة مزيدا من الإيمان ومن الحكمة، فيسلم الوطن ويعرف أبناؤه الخلاص”.

وفي نهاية القداس ألقى أبو كسم كلمة قال فيها: “نطلب من الرب أن يعطينا نعمه لنقل الحقيقة مهما كانت صعبة، خصوصا في هذه الظروف التي نعيش فيها في عالمنا اليوم والتي تحتم علينا أن نكون خلالها منارة للجميع”.

ووزعت على المشاركين في القداس منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام والمركز الكاثوليكي للإعلام ورسالة قداسة البابا فرنسيس في اليوم العالمي الثامن والأربعين لوسائل التواصل الإجتماعي. وكان لقاء في صالون الكنيسة. 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

فيوليت حنين مستريح

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير