سورية ليست بحاجة الى ثورة بل الى تطوير . لقاء مع الاب الفرنسيسكاني فراس لطفي (القسم الثاني)

حاوره الصحفي السوري ومقدم البرامج التلفزيونية نعمان طرشه

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ما هو وضع المسيحيين في سوريا؟ 

تمتع المسيحيون في سوريا دوما بالحرية الدينية من خلال إقامة جميع النشاطات وممارسة الشعائر الدينية داخل وخارج الكنيسة أيضاً بالتطوفات في السهر المريمي او الأسبوع الآلام. ومن الطبيعي احيانا كان يتوجب طلب الأذن وإبلاغ السلطات لحماية النشاطات والفعاليات لكن هذا الامر بالنسبة للمسيحين موضوع مهم لأنك تستطيع ان تعبر عن معتقدك دون الإساءة الى معتقدات الآخرين. هذه الحرية الدينية كانت مؤمنة لان الدول السورية دولة علمانية وليست دينية لانها لو كانت دينية لكانت الأمور مختلفة مواطن من الدرجة الثانية كما يحدث في بعض الدول العربية. وهذا في مجتمع مدني امر مرفوض مجتمع يؤمن بالمواطنة الصفة الاعتبارية فيها تكون بأنني انا وانت رغم اختلافنا وانتمائنا الديني والعرقي الا اننا متساوين في الحقوق والواجبات. فالمسيحيون في سوريا وفي منطقة الشرق الأوسط اجمع يريدون ان يعيشوا بسلام وأمان ضمن النسيج المجتمعي هم لا يبحثون عن امتياز او دور بارز بل ان يكونوا مواطنون متساوون . رغم ان عدد المسيحيين في سوريا ليس بالكبير ورغم ان العدد ليس المقياس الا انهم لم يكونوا يعانون الاضطهاد اليومي وتهديد حياتهم ووجودهم. اليوم الأمور تغيرت ومثال على ذلك ما يحدث في مدينة الرقة التي سيطر عليها المسلحين حيث يطلب من المسيحيين دفع الجزية في مقابل ترك المسيحي على قيد الحياة.

الكثيرون في الغرب يتهمون السوريين المسيحيين بموقف منحاز وغير واضح. لكن ماذا يريده المسيحيين حقيقة في سوريا؟

السوري المسيحي كان لديه بعض المتطلبات والتطلعات مثلا موضوع الانتماء الى الوطن حيث الدستور السوري ينص على ان رئيس الدولة يجب ان يكون مسلم حصرا فان كنا فعلا نريد المساواة بين الجميع فلا يجب ان تكون المشكلة كوني مسيحي او مسلم بل بالانتماء الى وطن كمسيحي جذور حضوري تمتد الى آلاف السنين ومن حقي ان أصل الى اعلى مراتب هذا البلد وانتمائنا كمواطن.

لكن مالذي حصل اليوم المسيحي يحن فقط الى ما كان عليه من قبل حينما يرى بيوت العبادة تدمر كنائس والجوامع يتعدى على المسيحي ويصلب في الرقة يتهم بالردة بالكفر والزندقة ويتهم أيضاً بانه عميل للسلطة لانه يخدم في الجيش خدمة العلم. الشاب المسيحي الذي يخدم في الجيش لانه مقتنع بان ذلك جزء من مواطنته وواجبه الوطني ومن ثم الديني في الدفاع عن بلده الذي يواجه خطر جهادية همجية سلفية. لذلك المسيحيين يركزون على الدفاع عن الدولة وعلى مبدأ المواطنة اذا لم يكن مبدأ التعايش هو المواطنة فأي ميزان مختلف سيكون مختل ان كان ميزان عددي فنحن عددنا قليل وسيتكرس حكم الأكثرية على الأقلية او مبدأ طائفي فسيعتمد على اني مسلم والآخر مسيحي درجة ثانية او ثالثة او مبدأ اثني قومي فسيكون تقسيم اثني واز راء الآخرين سريان أكراد ارمن. انا إنسان أعيش كمواطن ولست رقم او نسبة مئوية ولدت هنا في هذه الارض وأتمنى وارغب ومن حق الاخر لاعتراف بي كشريك وليس كضيف يسمح لي او يمنحني حقوقي. المهم ان من يعتبر نفسه صديق او يعتبر نفسه يعمل لخيري ان يترك لي القرار لا ان يقرر بدلا عني وان لا يعاملني كقزم او مختل عقليا ليس لديه القدرة على تقرير مصيره. الحضارة السورية تركت بصماتها في كل التراث الإنساني فالسوري هو ناضج كفاية ليعرف ما الذي يضره ومالذي ينفعه وماهو لخيره او لشره. المعاناة كبيرة لكن الأمور لم تنتهي مازال لدينا في أيدينا معطيات لنعيد بناء بلدنا.

هل هناك استهداف للمسيحين بشكل مباشر وهل يعانون من الاضطهاد؟

نعم المسيحيون مستهدفون لكونهم مسيحيين. الأمور في البداية لم تكن بهذا الوضوح اما الان فالمسيحي يدرك جيدا هوية المقاتلين وأنتمائهم الى السلفية والوهابية وخصوصا بعد كل ما جرى في القرى المسيحية في أدلب والرقة والذين يتحدثون اليوم عن الجيش الحر كقوة معارضة يعلمون ان هذا الكلام ليس دقيقا وان هناك الكثير من الفصائل المسلحة المختلفة في نزاع فيما بينها على الارض الغنائم والسلطة. الحالات كثيرة لا تعد ولا تحصى الأغلب اذكر المطرانين المخطوفين قرب حلب حتى الان يوحنا ابراهيم مطران السريان الأرثوذكس وبولس يازجي مطران الروم الأرثوذكس والكاهنين الشابين الذين لا يعرف عنهم شي الاب ميشيل كيال من الأرمن الكاثوليك وأسحق محفوظ من الروم الأرثوذكس. واخر شهيد هو الأب اليسوعي فرانس فاندر لخت الهولندي الجنسية والذي اختار البقاء مع ما تبقى من رعيته في حمص لكن المسلحين حاولوا خطفه وعندما رفض قتل بوحشية.

ان من يستهدف هو غير السوري كل هذه المجموعات المسلحة فالسوري المسلم عاش مع أخيه المسيحي ويعرف من هو وكيف يفكر وكيف يتصرف اما من أتى من الخارج وخصوصا المتشددين المتشربين بالفكر السلفي الالغائي فلديهم عدم قبول بالآخر جهل وعدم معرفة بالمسيحي حيث الحياة تبدأ وتنتهي مع الاسلام وكل من هو خارج عن الاسلام هو كافر وزنديق ويحل قتله.

تترك الحرب بصمات لا تمحى من الذاكرة . عشت تجربة مؤلمة بشكل مباشر، ما الذي حدث في بلدة الغسانية؟

كنت في منطقة الإرسالية في ريف أدلب حيث تعرضت ثلاث قرى مسيحية بالكامل للهجوم من المجموعات المسلحة والأب فرانسوا مراد وهو ناسك بنى بيديه دير صغير لإعادة الحياة النسكية الشرقية وعند وصول المسلحين في البداية فتح أبوابه لبعضهم لكن بعد فترة إهانوه وطردوه من ديره فاستقبلناه في دير الفرنسيسكان في الغسانية حيث تقيم ثلاث راهبات ت
قمن بتقديم خدمات المستوصف للأهالي وحاول المسلحين عدة مرات الهجوم على الدير وفي اخر الامر استطاعوا الدخول ما ان علمت بالهجوم أسرعت الى هناك رغم صعوبة الطريق ووجدت أنهم سرقو كل شيء وكسروا الصلبان والتماثيل ودنسو الكنيسة بذبح كلب الدير على الهيكل ثم قتلو الاب مراد رميا بالرصاص طلقة واحدة كانت كافية لقتل أنسان اعزل لكنهم فضلوا قتله بوحشية بسبع رصاصات في الصدر وانا دفنته بنفسي.

اقدم مدينة مازالت مأهولة في العالم تنازع وتصارع على وجودها. ما هو وضع مدينة حلب؟

تعاني مدينة حلب من وضع إنساني مأساوي لان الانسان يستطيع ان يعيش ويتحمل الظروف الصعبة لكن لا تستطيع حرمانه من الطعام والشراب فهي أدنى حقوق العيش والناس تحاول رغم غلاء المعيشة وانعدام المدخول ونقص الغاز والبنزين والكهرباء والماء مؤخراً ان تستمر في الحياة

ورغم كل شيء مازالت المنطقة المسيحية شبه أمنة لكنها تتعرض للاستهداف من المسلحين بالصواريخ والهاون وقد وتعرضت الكنيسة لعدة قذائف هاون وآخر حادث تكسر زجاج مدخل الكنيسة بالكامل خلال القداس بسبب انفجار كبير أصاب غرفة الصناعة. ويحاول الأخوة الفرنسيسكان تقديم ما بوسعهم من مساعدات فالدير فتح أبوابه للناس لأخذ الماء مجانا من بئر تابع للكنيسة ومدرسة الارض المقدسة استقبلت الأطفال الأيتام لدار المبرة الاسلامية

التحدي الاول هو التحدي الروحي فإذا فقد الانسان الرجاء فقد حياته كلها أستطيع تحمل الصعوبات والضغوط لكن عندما اشعر بان هناك من هو معي فأستطيع التحمل فبدون الأمل والرجاء فلن يعد للحياة طعم ولا مستقبل واذا غادر الاهالي المدينة فستبقى حلب مدينة الاثار والأشباح

كلمة اخيرة

اثناء الحروب الصليبية الطاحنة حصل القديس فرنسيس على حراسة الأماكن المقدسة ليس بقوة السلاح والعنف بل بالبساطة والحكمة وبالحوار وهذا دليل ان الطريق الوحيد لأحصل على ما اريد من الاخر هو الاعتراف والاحترام المتبادل من دون اقتله او يقتلني. فعلينا التمسك بقول الحقيقة بمحبة والحوار من دون إلغاء للآخر فالتاريخ هو معلم الحياة وعلينا ان نتمسك بالحوار الممكن والضروري لان من دونه سنكون بغربه عن وطننا وحياتنا.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Namaan Tarcha

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير