صحفيّ يسأل ، والبابا يُجيب تُكوّن الحقيقة المفهوم المركزيّ في تفكيرك . “مساهم في الحقيقة” كان شعارك الأسقفيّ . ألا يجب أن نكون مساهمين في الواقع أو مساهمين في الحكمة ؟
أجاب البابا : لا تسيرُ الواحدة دون الأخرى . الحقيقة والواقع يكوّنان وحدة . فحقيقة خالية من الواقع هي محض تجريد . وحقيقة لم تصُغها ” حكمة إنسانيّة ” تكون بعيدة عن أن تكون حقيقة يتقبّلها الإنسان . إنّما هي حقيقة مشوّهة . لم يكن هذا الموضوع في البداية مركزيّا بالنسبة إليّ . وعلى طريقي الفكريّ شعرتُ بشكل قويّ بالمشكلة فتساءلت هل القول إنه بإمكاننا التعرّف إلى الحقيقة هو إعتداد وذلك بسبب محدوديّتنا . وتساءلت أيضا إن لم يكن من الأفضل العمل على إبعاد هذه الحقيقة . لكنّني ، وعند متابعتي لهذا السؤال ، لاحظتُ وفهمت أنّ الإمتناع عن الحقيقة لا يحلّ شيئا ، إنّما هو وبالعكس يقودُ إلى الدكتاتوريّة المزاجيّة . كلّ ما يبقى في الخلاصة هو ما نختاره نحنُ ، وما يمكن مقايضته في كلّ حين . إنّ المرءَ يختصرُ ذاته إن لم يسعَ إلى التعرّف على الحقيقة ، حين يكون كلّ ما لدينا هو نتيجة قرار شخص أو مجموعة .
على هذا الطريق توضّح لي كم هو مهمّ أن لا يضيع منّا مفهوم الحقيقة وكم هو مهمّ أن يبقى عمودًا مركزيّا بغضّ النظر عن التهديدات والخطر التي ينطوي عليها من دون أيّ شكّ ، وكم هو مهمّ أن يقف هذا المفهوم بوجهنا متحدّيا ، ليس لإعطائنا الحقّ ، إنما ليفرض علينا الطاعة والتواضع أمامه ، فيتمكّن عندئذ أن يقودنا إلى طريق الوحدة من خلال صراع طويل مع الحالة الفكريّة المعاصرة . توضّح لي ببطء أولويّة الحقيقة ، وكما ذكرنا لا يعبّر عن هذه الحقيقة بشكل مجرّد ، إذ هي تقتضي إرتباطـــًا بالحكمة .