لكنه في يوم كئيب انتظر صاحبه فما عاد؛ لأنه رقد راحلاً إلى الدار الأبدية؛ لكن الكلب بقي هناك مترقبًا عودته وما برح مكانه؛ وهيهات أن يصرفه الناس بكل الوسائل؛ لا ليوم ولا لأسبوع بل لعشرة أعوام كاملة!!
وتحضرني هنا قصة وفاء الكلاب للعازر الفقير المسكين (لو ١٦ : ١٩) والمطروح مضروبًا بالقروح عند باب الغني المترف والمتنعم. كان هذا الفقير – أوهيكي oⲩϩⲏⲕⲓ باللغة القبطية – يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني، بينما كانت الكلاب التي كان يتسلى بها هذا الغني، تأتي وتلحس قروح لعازر لتضمدها وترطبها وتهدئ حدة الألم. ولكون أيامه قد طالت أمام باب القصر؛ لذلك صارت بينه وبين كلاب الغني أُلفة وصداقة؛ فصاروا يمرِّضون جراحاته ويواسونه “يسلُّونه” وكأنهم يحتضنوه مشفقين عليه. وفي اليوم المحدد مات لعازر المسكين وحملته الملائكة إلى حضن أبينا إبراهيم؛ أمَّا الغني مات ودُفن لأنه بلا ذكر عند الله؛ إذ لم تسعفه أمواله ولا قصوره.
إنه درس تتبادل فيه السماء مع الأرض لأماكن وأوضاع معكوسة.. فإذا كانت الأوضاع تتغير هنا؛ يستحيل أن تتغير هناك!!! إنها صورة مجسمة لبؤس البشرية وأنانيتها واستعلائها، وأيضًا صورة مجسمة للوفاء؛ حتى ولو كان في أُلفة وترفق الحيوان… وهي أيضًا إنذار لنا كي نطفأ لهيب النار عنا، ونرحم بعضنا بعض، فلازلنا في زمن مقبول نقرر لأنفسنا المكان الذي سنرحل إليه، وليرحمنا الله كعظيم رحمته.