في خضم مجريات أحداث الظهورات المريمية في فاطيما البرتغالية ( 1915 – 1917)، و عندما حضرت السيدة على الأطفال الرعاة الثلاثة، توجه الصغار إليها بالسؤال المباشر : ” من أنت؟؟؟”
فأجابت : “انا سيدة الوردية. أتيت لأنبّه الناس بضرورة تغييّر حياتهم وطلب الصفح عن خطاياهم… يجب على الناس ان يصلوا الوردية. ويثابروا على صلاتها كل يوم. “
قبل هذه الواقعة بسنين و تحديداً في ليلة عيد الدنح سنة 1874، كانت الأم السماوية تبدأ، في بيت لحم، سلسلة من الظهورات و الرؤى إستمرت حتى سنة 1878، تطلب فيها من راهبة فلسطينية سنعرفها تحت إسم
(الأم ماري ألفونسين) تأسيس رهبانية الوردية.
و هكذا حصل، فقد إنفتحت الراهبة المقدسية على نداء الأم. و فعلاً أبصرت رهبنة الوردية النور في الأرض التي فيها فرحت، حزنت وتمجّدت سلطانة الوردية مع ابنها يسوع .
فما قصة الوردية تلك؟ و لم توليها العذراء هذه الأهمية؟؟؟
يعلّم البابا القديس يوحنا بولس الثاني، و الذي أضاف على أسرار الوردية الثلاث (الفرح، الحزن و المجد) نوع رابع و هي أسرار النور، يقول:
أن صلاة الوردية ليست صلاة لمريم إنما صلاة تأملية مع مريم ليسوع ، هي تأمل مع مريم في وجه يسوع.
و يختصر البابا القديس نظرات مريم ليسوع بخمس، يستيقيها من الكتاب المقدس:
* النظرة الإستفهامية : حين أضاعت الرب و عادت فوجدته.
* النظرة الثاقبة: حين أدركت النقص في عرس قانا.
* النظرة المتألمة : في نزاع و موت إبنها الإلهي على الصليب.
*النظرة المشعة: عند قيامة الرب.
* النظرة المتأججة: في نار العنصرة.
و نستطيع القول أن في غمرة محبتها لنا، ترغب الأم السماوية أن تعطينا عيونها لنعاين الرب بنظراتها تلك، وأن تهبنا قلبها لنحبه نظيرها. و في صلاة الوردية نسير معها أحداث الخلاص ، لتثمر تلك في حياة كلّ منا محبة و قداسة تنقذ العالم من شره الذي يغرقه و يميته.
ليست الوردية تكرار لكلمات ميتة إنما إضرام النعمة بتذكر سلسلة أهم محطات الخلاص.
و مع مريم:
*نهلل للبشارة و نجدد ال”نعم” للرب
* ندرك أن الكلمة متى حلّت فينا لا تتركنا جامدين إنما تدفعنا للزيارة و الخدمة!!
*نفرح لولادة الخلاص بتواضع المغارة.
* و نتعلم أننا متى أضعنا الرب لا نجده في كتب فلاسفة العصر بل في “بيت أبيه” و نعود الى الكنيسة الأم.
* نتنوّر من أسرار أغدقها قنوات نعمة: من العماد، الى الإفخارستيا.
*ندخل سر الألم المقدِس، ونلتقي بالحب الذي يبذل ذاته في سبيل أحبائه.
* نلمس مجد القيامة
* نتلقى نار العنصرة لتطهر هياكلنا و تعيدها لمجد صورة صانعها.
نعم، الوردية هي مسيرة حنو السماء على الأرض و تو ق الأرض الى السماء:
مسار روحي فيه مريم قائدة تسير بنا صوب يسوع: إثمن و أفضل مصير.
اليوم، نعيّد لعذراء فاطيما و نحن على بعد أيام قليلة من رفع الراهبة المقدسية ماري ألفونسين الى مصاف القديسين.
و اليوم أيضاً نشهد بقلوبٍ دامية على إحتضار السلام في عالمنا ، لذا أضحى طلب عذراء فاطيما أكثر إلحاحاً: التوبة و الوردية.
فلنطلب شفاعة القديسة العتيدة الأم ماري ألفونسين كي يحظى هذا النداء على أوسع إستجابة:
ففي كل العصور و من فلسطين الى فاطيما و أقاصي الأرض، تغيير العالم لا يكون من داخل الأنظمة السياسية بقدر ما يكون بتغيير من داخل القلوب القاسية.