روما، 22 يناير 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثاني والعشرين من يناير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب “بندكتس”.
الرابط بين الإيمان والقلب
في الحقيقة، إن كلمة “نؤمن” عند المسيحي المؤمن تشير إلى نوع من اليقين هو في نواحي كثيرة على درجة أعلى من اليقين من كل ما وصلت إليه العلوم، وإن كان يقيناً يحمل فيه دينامية الـ”غير نهائي”… فكما أن الإنسان يصبح أكيداً من حبّ شخص آخر له من دون أن يُخضعه لمنهجيات الإختبار العلمي، كذا في العلاقة بين الله والإنسان ثمة يقين من نوع مختلف تماماً عن اليقين الناتج عن التفكير الإختباري. فإنا نعيش الإيمان، لا كفرضية معينة، وإنما باعتباره أمراً يقيناً تُبنى عليه حياتنا بأسرها… فالإيمان هو يقين بأن الله قد أظهر نفسه وأتاح لنا رؤية الحقيقة نفسها… وفي فعل الإيمان، يحدث القبول بطريقة مختلفة عن فعل المعرفة: فهو لا يتأتى عن مستوى البرهان الذي يحمل عملية التفكير إلى خواتمها، بل عن فعل إرادة تبقى عملية الفكر من خلال التواصل معه عملية مفتوحة وجارية بشكل مستمر. وهنا تتحكم الإرادة بالموافقة، مع أن فعل التفكير لا يزال جارياً… وأيّ إدراك حسي يفترض تعاطفاً مسبقاً مع ما تمّ إدراكه. ففي غياب قرب داخلي معيّن، هو نوع من أنواع المحبة، لن يسعنا فهم الشيء الآخر أو الشخص الآخر. بهذا المعنى، فإن “الإرادة” تسبق دائماً الفهم نوعاً ما الذي تشكل شرطاً مسبقاً له؛ وكلما تحقق ذلك، كان الواقع المُعَدّ للإدراك أعظم وأوفر شمولية. إننا قادرون على الموافقة على الإيمان لأن الله قد لمس الإرادة –والقلب – منّا فتأثرا به. وبفعل هذه اللمسة، تعرف الإرادة أن حتى ما لا يزال “غير واضح” للمنطق هو صحيح وصائب.