محمد السمّاك: من يقف وراء حملة التشهير بالفاتيكان؟

روما، الاثنين 12 أبريل 2010 (Zenit.org) – في التاسع من الجاري نشرت جريدة المستقبل اللبنانية مقالاً لأمين عام اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي، ومستشار مفتي لبنان، السيد محمد السمّاك، تحدث فيه عن الهجمات الأخيرة ضد البابا بندكتس السادس عشر. نششر في ما يلي المقال كما صدر على الجريدة المذكورة.

” في عام 1022 أقر البابا بندكتس الثامن قانونا كنسيا يفرض على القساوسة عدم الزواج والتزام العزوبية وذلك من أجل التفرغ للخدمة الكنسية.

Share this Entry

أما الآن وبعد ألف واثني عشر عاما، يواجه خلفه البابا بندكتس السادس عشر طلبات ملحة من خارج الكنيسة لإعادة النظر جذرياً في ذلك القانون، والسماح للقساوسة بالزواج. فهل يلغي بندكتس 2010 قانون بندكتس 1022؟
يبرر أصحاب هذه الدعوة إلحاحهم بأنه قبل تاريخ 1022. كان القساوسة يتزوجون. وان قانون منع الزواج هو قانون كنسي وليس نصا إنجيليا. ثم أن ظروف الحياة تغيرت، فالخدمة الكنسية لا تتعارض بالضرورة مع الزواج، بدليل أن الكنائس الإنجيلية التي تبيح الزواج لقساوستها تنشط وتزدهر وتتوسع في أنحاء مختلفة من العالم. وفي دراسة أجريت في جنوبي ألمانيا مؤخرا، قال 87 بالمائة من الذين جرى استفتاؤهم من المسيحيين الكاثوليك، أن عزوبية الكاهن لم تعد أمرا ضروريا. وكان الكاردينال كريستوفر شونبورن رئيس أساقفة فينا بالنمسا وهو واحد من كبار الكرادلة الواسعي النفوذ والاحترام، قد بادر إلى طرح موضوع زواج الكهنة، إلا انه تراجع بسرعة عن هذا الطرح بعد أن آنس عدم قبوله من البابا نفسه وكذلك من مجلس عقيدة الإيمان.
وكان قد فتح أبواب البحث في هذا الموضوع الشائك تواتر الأخبار عن قيام عدد من القساوسة بالاعتداء الجنسي على الأطفال، وهي تهمة لا تنحصر بالكنيسة عامة ولا بالكنيسة الكاثوليكية خاصة، ولكنها تشمل مؤسسات دينية ومدنية (لا دينية) عديدة أخرى، منها مؤسسات مدرسية أو اجتماعية أو خيرية، حيث يكون روادها حصراً من الذكور ومن الأطفال. وقد يطالب بعض ضحايا الاعتداءات بعد أن بلغوا السن القانونية بالتعويض. ففي الولايات المتحدة وحدها دفعت الكنيسة الكاثوليكية مبلغ ملياري دولار تعويضات لمثل هؤلاء الضحايا الذين تعرضوا للاعتداء منذ عام 1992. ولقد اضطرت الكنيسة لبيع كثير من أملاكها حتى تتمكن من توفير هذا المبلغ الكبير.
وفوق أعباء هذه التعويضات المالية المرهقة، اضطر البابا الى تقديم اعتذار للضحايا.. وهو ما فعله مرة ثانية عندما اكتشفت عملية مماثلة في ايرلندة.. وقبلها في النمسا واستراليا وكندا.. والآن في ألمانيا.
ولأنه لا التعويضات المالية، ولا الاعتذارات المعنوية تكفي لمعالجة المشكلة، كان الطلب بضرورة إعادة النظر في قانون منع الزواج المفروض على الكهنة والقساوسة. فهل يلغي بندكتس ما أقره بندكتس ؟!.
لا بد من الإقرار بأمر أساسي وهو أن المجتمعات الغربية في الولايات المتحدة وكندا واستراليا وأوروبا لم تكن وحدها التي شهدت حوادث اعتداء على الأطفال، إلا أن هذه المجتمعات الغربية تتمتع بثقافة الاعتراف العلني بالخطأ.. وتتحمل تبعات هذا الخطأ. وهي لا تلقي بآثامها تحت مقاعد المعابد، كما قد تفعل مؤسسات أخرى. ما يعني أن عدم تقدم ضحايا للإدعاء بتعرضهم للاعتداء، لا يعني انه لم تقع حوادث اعتداء في مدارس ومؤسسات تعنى بالأطفال أو تابعة لهيئات ومنظمات دينية غير مسيحية أو مدنية خاصة أو عامة في الكثير من الدول في آسيا وأفريقيا.
ففي ألمانيا وحدها بلغ عدد حالات الاعتداء على الأطفال التي اعترف أصحابها بها حتى الآن 250 حالة. وهناك 14 كاهنا يخضعون الآن للتحقيق. أما في هولندا فقد سجلت 350 حالة. وفي البرازيل أحيل ثلاثة قساوسة إلى المحكمة بتهمة تسجيل فيلم إباحي مع أحد الأولاد.
لم ينكر الفاتيكان وقوع هذه الحوادث وإن كان عددها محدوداً جداً بالنسبة لعدد القساوسة والكهنة الذين يعملون في خدمة الكنيسة ومؤسساتها في مختلف أنحاء العالم والذين يقدر عددهم بحوالي 400 ألف كاهن من مختلف المستويات الكهنوتية ومن مختلف الجنسيات والثقافات. غير أن الفاتيكان يشعر أنه يتعرض إلى حملة تشهير واسعة النطاق على خلفية هذه الأحداث التي تشكل ظاهرة سلبية في العديد من المجتمعات وفي معظم المؤسسات الأهلية الأخرى. وهنا بيت القصيد. فإسرائيل تحاول الضغط على البابا بندكتس السادس عشر لوقف الإجراءات التي يتخذها الفاتيكان من اجل تطويب البابا بيوس 12 الذي اعتلى السدة البابوية خلال الحرب العالمية الثانية، قديسا. وحجة إسرائيل في ذلك أن البابا تعمد عدم حماية اليهود عندما كانوا يتعرضون إلى الاجتياح النازي الذي أودى بحياة مئات الآلاف منهم.
غير أن البابا بندكتس الذي يرفض التهمة من حيث الأساس، أصر على المضي قدما في إجراءات التطويب. لذلك تعتبر إسرائيل ومن ورائها الحركة الصهيونية العالمية التي تسيطر على قطاع واسع من الإعلام في العالم، أن تطويب البابا بيوس الثاني عشر هو بمثابة مكافأة له على عدم حماية اليهود من المذابح النازية.
استخدم الإعلام الصهيوني أو الإعلام العالمي المتصهين – أداتين للتشهير بالبابا بندكتس السادس عشر. كانت الأداة الأولى عبارة عن ترويج نشر صورة له وهو بالملابس النازية عندما كان شاباً يافعا وفرض عليه، كسائر أولاد جيله، الانضمام إلى حركة الشبيبة النازية. ولكن عملية الابتزاز تلك لم تؤدِ ثمارها. ذلك أن البابا دخل المدرسة اللاهوتية فور ذلك بحيث انه لم يتسن له القيام بأي نشاط كشفي في الإطار النازي.
أما الأداة الثانية، فهي اتهامه بأنه عندما كان مطرانا على أبرشية ميونيخ في جنوب ألمانيا في عام 2001 كان على علم بأن احد الكهنة اعتدى جنسياً على ولدين ( 14 و 10 سنوات) وانه كان يُعرف في حينه باسمه الكاردينال جوزف راتسنغر، عمد إلى نقله إلى موقع آخر بدلا من إدانته وتحويله إلى القضاء. وهي تهمة ثبت بطلانها، إذ إن الكاردينال الذي أصبح – البابا، لم يكن على علم بحالة ذلك الكاهن كما أكدت الوثائق الرسمية في المطرانية.
لا شك في أن ثمة أساسا لإثارة قضية الجرائم ا
لجنسية ضد الأطفال. فالفاتيكان ذاته لم ينكرها ولكنه استنكرها؛ وهو لم يغط على مرتكبيها ولكنه أدانهم وحملهم على الاعتراف العلني. غير أن الفاتيكان يتعرض للضغط الآن من أجل عدم الاكتفاء باعتبار الاعتداء الجنسي خطيئة، بل جريمة. فالخطيئة تعالج داخل الكنيسة، أما الجريمة فتعالج أمام القضاء المدني. العلاج الكنسي لاهوتي تأديبي يتطلب إعادة تأهيل المرتكب ؛ أما العلاج القضائي فهو علاج عقابي تشهيري. وشتان بين الأمرين.
يحرص الفاتيكان، بصفته المرجع الأول للمسيحية في العالم (1.5 مليار كاثوليكي) أن يحافظ على صدقية الكنيسة واحترامها حتى يتمكن من مواصلة أداء رسالته الروحية، أما أعداؤه فيحاولون أن يوظفوا سقطات بعض رجاله أداة للطعن به وبما يمثل.
أمام تصاعد هذه الحملة خاصة في أجهزة الإعلام الغربية يجد الفاتيكان نفسه مضطراً للإجابة على سؤالين أساسيين :
يتعلق السؤال الأول بموقف البابا من مبدأ رفع الحظر عن زواج الكهنة. فالموافقة تعني تغييرا جذريا في بنية المؤسسة الدينية الكاثوليكية.. على النحو الذي تعرفه الكنائس الإنجيلية. ولا يبدو أن هذا الأمر مقبول من البابا ولا حتى من مجلس الكرادلة، المؤتمن على العقيدة الكاثوليكية.. ولذلك فإن إعادة النظر في القانون الكنسي المتعلق بعدم زواج الكهنة لن يطرح على البحث في المستقبل المنظور.
أما السؤال الثاني فيتعلق بما إذا كان البابا يوافق على اعتبار عملية الاعتداء الجنسي على الأطفال، جريمة وليس مجرد خطيئة فقط. بمعنى أن الجريمة تستدعي تسليم المرتكب إلى القضاء الجزائي، وهو أمر لا سابق له في تاريخ الكنيسة، إذ لم يمثل احد منهم بلباس كهنوتي أمام قضاء جزائي.. ولا يبدو أن هذا الأمر سوف يتغير في المستقبل المنظور أيضا.
فمع تصاعد الحملة الإعلامية المبرمجة على البابا وعلى الفاتيكان، فإن البابا بندكتس السادس عشر يتعامل مع هذه الحملة بثقة أكبر بالنفس وبالكنيسة وقوانينها.. وتبدو المجامع الكنسية الكاثوليكية في العالم أكثر تماسكا مما تحاول أن توحي به هذه الحملة، وأشد تمسكا بالثوابت الكنسية.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير