الخدمة في السودان امتياز وعبء في آن معاً

Share this Entry

مقابلة مع المونسنيور إدوارد هيبورو

روما، الثلاثاء 29 يونيو 2010 (Zenit.org) – يعتبر الاهتمام برعية سودانية امتيازاً وعبئاً في آن معاً، حسبما يقر أسقف أبرشية تومبورا-يامبيو الواقعة في جنوب السودان، الذي عاش هو أيضاً حياة اللاجئ. يترأس أصغر أسقف في الكنيسة الكاثوليكية السودانية، المونسنيور إدوارد هيبورو (46 عاماً) أبرشية كبيرة وإنما فقيرة على الصعيد المادي.

وفقاً للإحصاء الأخير، يعيش حوالي مليوني شخص في هذه المنطقة منهم 900 ألف كاثوليكي.

إنها أبرشية قديمة سيُحتفل فيها سنة 2011 بالذكرى المئوية الأولى للمسيحية. وهذه المنطقة منعزلة عن معظم المدن والتجمعات الكبرى في البلاد. تعتبر المواصلات فيها سيئة، ويضطر سكانها إلى مواجهة مشاكل إعمار وإعادة إعمار.

والجدير بالذكر هو أن السودان، أكبر بلد في القارة الإفريقية، ما يزال يعاني من تداعيات الحرب الأهلية الطويلة والتمييز العرقي.

في هذه المقابلة التي أجراها البرنامج التلفزيوني “حيث يبكي الله” الذي تبثه الشبكة الكاثوليكية للإعلام المرئي والمسموع بالتعاون مع عون الكنيسة المتألمة، يتحدث الأسقف عن تجربته العملية والحياتية في مخيمات اللاجئين، وعن أسباب رجائه وأهدافه.

س: هل ولدتم في جنوب السودان؟

المونسنيور هيبورو: أجل، ولدت في جنوب السودان. وبعد مرور شهرين على ولادتي، شنت غارة على قريتي وقُتلت والدتي. فربتني جدتي التي هربت من هذه الحرب ولجأت إلى جمهورية الكونغو التي بقيتُ فيها تسع سنوات. ترعرعت في مخيم للاجئين، وعدت إلى السودان سنة 1972 بعد اتفاقية أديس أبابا للسلام. تابعت دراستي التي أعاقتها مجدداً حرب 1983. عندها، لجأنا إلى الخرطوم حيث أنهيت دراستي.

إذاً، أنا لاجئ بحق ومهجر، وأعرف معنى مغادرة الوطن، مغادرته بأياد فارغة. وعند عودة هؤلاء الناس، أفهم مشاكلهم ووضعهم.

س: كيف حافظتم على الإيمان على هذه الدرب الشاقة؟

المونسنيور هيبورو: بداية، ينبغي علي أن أشكر جدتي التي تربت على الإيمان الكاثوليكي. عندما كنت صغيراً، هي التي علمتني أن أصلي. فأصبحت الصلاة عادة عندي. قبل النوم، كنت أصلي معها. وعند الاستيقاظ، كانت تقول لي: “الآن، يجب أن نصلي. يجب أن تشكر الله لأنك على قيد الحياة”. هكذا، تعلمت طيلة حياتي أن أرى المسيح في كل الظروف. هذا هو شعاري كأسقف.

س: وما هو شعارك؟

المونسنيور هيبورو: “المسيح قام كلياً من بين الأموات”. المسيح المتألم بفعل تسميره على الصليب لم يبق لا على الصليب ولا في القبر. لقد استفاق ونهض وقام من بين الأموات؛ هكذا، توجد حياة بعد كل صليب. المسيح حاضر هنا، هناك حياة خلف القبر وتحته وفوقه. إني أعلم أن الصعاب في السودان ، ومشاكلنا في أبرشية تومبورا- يامبيو لن تنتهي، لكننا سنحيا مجدداً.

سنأتي إلى الحياة، وأرى الحياة في النهاية. هذا هو رجائي المؤمن به.

س: أوليس التحول من جامعي إلى أسقف تغييراً كبيراً لكم؟

المونسنيور هيبورو: هذا صحيح. لقد رحبت بتعييني كأسقف بمشاعر مشوشة لأنني أردت التفوق في المجال الجامعي. أحب القراءة والكتابة، ونشرت للتو كتابي الأخير “حقوق الإنسان، الكنيسة في السودان بعد الحرب”.

أردت متابعة الكتابة، لكن هذا التغيير المترافق مع خدمتي كأسقف في أبرشية كبيرة وصعبة يقلب مخططاتي وجهودي الهادفة إلى إقامة الأبرشية المناسبة. لكنني أعلم أن الله هو الذي دعاني إلى هذا العمل، وهذا شأنه. هذا هو مخططه، وأنا متأكد من أنه لن يتركني وحيداً. سيكون معي وسيعتني بي. وقد أعطاني أشخاصاً رائعين، أشخاصاً مؤمنين بالله. وسوف أعمل معهم. منذ يوم سيامتي، منحوني كل الفرح، ورحبوا بي ترحيباً عارماً، مما يثبت أنني لن أكون وحيداً في تحمل مسؤولية هذه الأبرشية.

س: عن سيامتكم، قلتم أنها عبء وامتياز في آن معاً. ما هو العبء الذي تتحملونه؟

المونسنيور هيبورو: صليب الناس. العمل مع الناس الذين يعيشون في أوضاع صعبة، واقع حياتهم، إمكانية بناء السلام بينهم، إمكانية توفير حياة مناسبة لهم، حياة متوافقة مع كرامتهم، إمكانية أن يتمتعوا بحقوقهم الإنسانية ويكونوا أبناء أحراراً، أبناء الله. أدرك أن ذلك ليس سهلاً. فهذه ليست درباً سهلة. وأدرك صعوبة الأمور. إنني أراها وألمسها. هذا عبء بالنسبة إلي، وبخاصة من ناحية بناء السلام في هذه البلاد، سلام مستدام في منطقتي. وإنما هذه الخدمة هي امتياز لي، لأنني كاهن. أنا كاثوليكي. أنا مسيحي.

س: لم تعتبرونها امتيازاً في هذه الحالة؟

المونسنيور هيبورو: تعتبر امتيازاً لأنني قادر على تحقيق المخطط الإلهي وعلى التحدث باسم الله. وأرى الامتياز في إعلان بشرى الله السارة للأشخاص الأكثر احتياجاً إليها.

س: هل الناس منفتحين على أمثولة الخلاص؟

المونسنيور هيبورو: أجل. الأمر المثير للاهتمام في أبرشيتي هو أنها كانت منذ البداية جماعة أرستقراطية. كان الناس يتبعون ملوكهم وكانوا يصغون إليهم. عندما وصل المسيحيون قبل 97 عاماً حلت المسيحية محل هذه النزعة إلى التحالف مع الملوك، واعتنق الناس المسيحية. كان الجميع يذكر اسم الله. وهكذا، من السهل أن نلاحظ أن الناس يحبون ربهم وأنهم يتواصلون معه. كذلك، عندما كنت أسقفاً مكرساً، تمكنت من ملاحظة فرح شعبي العظيم.

وعندما أقوم بجولاتي على الرعايا، ألاحظ فرحهم واستقبالهم الحار. وأتشجع مع وجود سر القربان المقدس، ومواظبتهم على نيل الأسرار، ونمط حياتهم. فانفتاحهم على البشرى السارة يعزيني ويقويني.

س: تنتظركم أعمال كثيرة بغية بناء سلام مستدام؟

المونسنيور هيبورو: هذا صحيح. تنتظرني أعمال كثيرة، إلا أنني أرى الواقع بهذه الطريقة: ينبغي علي أولاً أن أعمق عملية تبشير شعبي. ينبغي عليهم أن يتعرفوا إلى الله ويكونوا معه ويختبروا الله ويبنوا سلاماً دائماً. وأنا لا أتوقف عن توصية شعبي بإصرار بجعل المسيح محور أعمالهم وأساسها. فقط بالاهتداء إليه هو رب السلام، نتمكن من بناء السلام.

س: ما هي التحديات؟

المونسنيور هيبورو: الناس يعانون من صدمة منذ سنوات. فهم لم يعيشوا السلام يوماً. السبيل الأوحد الذي يلتجئون إليه لنيل مرادهم هو العنف الذي يجب أن يستأصلوه. وبالتالي، فإن ثقافة السلام لا تتأسس إلا من خلال عملية تدريجية. لا بد لي من السير بهدوء. بداية، يجب أن أعرف لماذا نجد صعوبة في بناء السلام. أنتم تعلمون أن الحرب أجبرت الكثيرين على العيش كلاجئين في بلدان مختلفة، وقد عادوا جميعاً بذهنيات مختلفة. ورحل البعض إلى مناطق أخرى داخل البلاد، فيما بقي آخرون في بلادهم خلال فترات الحروب؛ لهؤلاء أيضاً مقاربة أخرى. عندما نضع كل هؤلاء الناس مع بعضهم، لا تبدو عملية الدمج سهلة، بل صعبة جداً. مع ذلك، ينبغي علينا أن نتقدم مع أخذ هذه الجماعات بالاعتبار، ونقول لها أن هدفنا مشترك. ويجب أن نجد توازناً صحيحاً لنبني السلام بيننا من خلال قبول بعضنا البعض.

س: هل يمكنكم إخبارنا باختصار عن وضعكم الخاص؟ هل عملتم مع المهجرين؟

المونسنيور هيبورو: أجل. عندما كنت طالباً في الخرطوم قبل سيامتي وبعدها مباشرة، عملت مع المهجرين. أرسلني رئيس الأساقفة إلى مخيم للمهجرين يسمى جبل الأولياء ويقع في القسم الشمالي من مدينة الخرطوم. كنا أول الواصلين إلى مخيم اللاجئين، وكانت الحياة صعبة لأن المكان عبارة عن صحراء. كانت الأمهات تحفر في الأرض لتوفير الدفء لأطفالهن. فكان فصل الشتاء بارداً. ولم يكن الغذاء متوفراً. عندها، بدأنا نفقد الأطفال. كان يعمد البعض إلى خطفهم عندما كانوا يأتون لتحضير الحساء. كان ينبغي علينا الانتباه والتبليغ عن الاختطاف. بعد سنة، تم إرسالي إلى جمهورية إفريقيا الوسطى لأكون عميد إكليريكية صغيرة في أحد مخيمات اللاجئين. بقيت فيه سبع سنوات، وأدركت الصعوبة التي يجدها الناس في العيش بعيداً عن أرضهم. كانت الحياة قاسية، وكنت أهتم بالعديد من الإكليريكيين في المخيم. كما كنا مضطرين إلى الزرع لإطعام هؤلاء الشباب وسكان المنطقة. هكذا عشت حياة اللاجئين والمهجرين.

س: هل عندكم تمنيات أو مطالب؟

المونسنيور هيبورو: لدي ثلاثة مطالب. إني أطلب صداقتكم. أتمنى أن تزوروا أبرشيتنا، وأريد متطوعين بيننا. أنا بحاجة إلى أن يأتي الناس للانضمام إلينا وزيارتنا والبقاء معنا إن أمكن.

أما مطلبي الثاني فهو أن تختاروا خطط طوارئ، مخططات هادفة إلى الاستقلالية والاكتفاء الذاتي ليتمكن الناس من الاهتمام بأنفسهم. هذه التحديات عديدة: الصحة، التربية والخدمات الاجتماعية.

ثالثاً، أطالب بأن يستمر تعزيز السلام في البلاد. هذا ليس مشروعاً سهلاً بل دقيقاً، مشروعاً يمكن إبطاله في أي لحظة. إننا نقوم بواجباتنا لكننا بحاجة إلى جهود أصدقائنا الذين بقوا معنا خلال فترة الحرب والصراع، وذلك في سبيل ضمان السلام وتعزيزه. أشكركم كثيراً، وأعلم أن الدعوة التي أوجهها لكم والمطلب الذي يقوم على إعداد المشاريع من شأنهما أن يؤديا إلى الاستقلالية والاكتفاء الذاتي. إني أرحب بكل ما يسهم في استكمال عملية تعزيز السلام. وأشكركم على مساعدتنا في الماضي. لقد سمحتم لنا بالبقاء على قيد الحياة. أستطيع أن أقول أن الله يبكي في السودان، لكننا نريده أن يضحك في السودان.

هذه المقابلة أجرتها ماري بولين ميير للبرنامج التلفزيوني “حيث يبكي الله” الذي تبثه الشبكة الكاثوليكية للإعلام المرئي والمسموع بالتعاون مع عون الكنيسة المتألمة.

للمزيد من المعلومات، زوروا: www.WhereGodWeeps.org

عون الكنيسة المتألمة في فرنسا: www.aed-france.org

عون الكنيسة المتألمة في بلجيكا: www.kerkinnood.be

عون الكنيسة المتألمة في كندا: www.acn-aed-ca.org

عون الكنيسة المتألمة في سويسرا: www.aide-eglise-en-detresse.ch

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير