أماكن مار مارون في سوريا

روما، الأربعاء 3 يونيو 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي القسم الأول مما كتبه المطران يوسف أنيس أبي عاد رئيس اساقفة حلب للموارنة عن أماكن مار مارون وماتعنيه للأبرشية

فوجئ الناس جميعهم باكتشاف أماكن مار مارون يوم زارنا دولة العماد ميشال عون في الفترة 3-7 كانون الأوّل 2008، حاجّاً إلى مدفن مار مارون في بلدة براد السوريَّة، التي تبعد زهاء 40 كم عن مدينة حلب. فأُقيم لدولته استقبال حافل تكلّل بالحفاوة التي عبّرت عن مشاعر الرضى والارتياح الرسميَّة والشعبيَّة. كما زار دولته مرحَّباً به عدداً من المقارّ البطريركيَّة والكنائس والصروح المسيحيَّة في دمشق وحمص وحلب، مجتمعاً بشتّى الفعّاليّات الروحيَّة والمدنيَّة والثقافيَّة والاقتصاديَّة… ملاحظاً اللُحمة بين أبناء الشعب الواحد، والتطلّع الأسمى إلى ما فيه خير البلدين الشقيقين سورية ولبنان.

في حلب كانت زيارة دار مطرانيّتنا القديمة وكاتدرائيّتنا العريقة التي تطلّ على ساحة العلاّمة المارونيّ المطران جرمانُس فرحات حيث نصبه. أمّا القدّاس الإلهيّ الذي أقمناه إلى جوار مدفن مار مارون فكان الغاية الأهمّ في الزيارة، إذ جاء مرتّباً مؤثّراً، رُفعت فيه أجمل الصلوات والألحان من الطقس المارونيّ. وتلا ذلك، في المكان نَفْسه، كلمة للعماد عون أشار فيها إلى قصر المسافة بين براد وجبل لبنان، وإلى دعوة الرئيس الأسد إلى إعادة إحياء موقع مار مارون ووعده بتقديم الأرض المناسبة لذلك.

هذا وقد صار بالمناسبة إعلام كثيف عبر التلفزيون السوريّ، الذي نقل الأحداث نقلاً مباشراً إلى العديد من المحطّات التلفزيونيَّة في لبنان والعالَم.

اكتشاف هذه الأماكن، حيث عاش مار مارون ودُفن، لم يكن وليد الساعة، بل كان مشروعاً صارت له تحضيرات مكثّفة وترتيبات شتّى لسنوات خلت.

وفي ما يلي نوضح في القسم الأوّل، وبطريقة مقتضبة، أصل هذا المشروع والمراحل التي مرّ بها. ثمّ نأتي، في القسم الثاني، إلى ما يعنيه اكتشاف هذه الأماكن بالنسبة إلينا.

 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

مشروع إحياء أماكن مار مارون

1- نشأة فكرة تعرّف أماكن مار مارون وإحيائها

1. في العام 1999، جاءنا وفدان من الولايات المتّحدة الأميركيَّة، على دفعتين، يقولان إنّ هناك مجموعات مارونيَّة ستأتي إلينا لمناسبة اليوبيل الألفين لميلاد السيّد المسيح، ويهمّها أن تزور قبر مار مارون في بلدة براد القريبة من حلب.

2. ثمّ كان هناك تحضير للمؤتمر البطريركيّ المارونيّ، الذي شاركت أبرشيّتنا فيه. وكان أوّل موضوعاته: الهُويَّة المارونيَّة، وكيف تكوّنت هذه الهُويَّة عبر التاريخ والتراث واللاهوت والروحانيَّة. ولمّا كنّا نحن الأقرب إلى الأماكن – الجذور، آلينا على نَفْسنا أن يكون لنا دَور في البحث والتدقيق في هذه الأماكن، بغية إبراز هذه المعالم، وحملها إلى العالَم المارونيّ والسريانيّ، وإلى الكنيسة الجامعة والعالَم.

3. وقد شجّعنا على ذلك الكثير من أهالي حلب وغيرهم، الذين رغبوا في إزاحة الستار عن هذه البقعة التي تسمّى، إلى الآن، منطقة المدن “المَنْسيَّة” أو “الميتة”. وهي بقعة تمتدّ مساحتها على 5500كم2، كان عليها أكثر من 800 بلدة وقرية، وفيها آثار لأكثر من 2000 كنيسة ودير، إلى أبراج عديدة للنسّاك وأعمدة للعموديّين. ففي بلدة براد وحدها آثار لثلاث كنائس ودير وبرج وعمود.

2- لماذا اليوم بالذات؟

– لسببين: أوّلاً، ظهور الدراسات العلميَّة. وثانياً، التشجيع من قِبل السُلطات الرسميَّة، وعلى رأسها رئيس البلاد بالذات.

1. الدراسات العلميَّة:

ابتدأت منذ العام 1970 مع صدور كتاب “تاريخ الموارنة” للخوري بطرس ضو. فلم يكن من الممكن التكلّم بطريقة علميَّة محدّدة على هذا الموضوع قبل هذا التاريخ.

لقد تتالت المؤلَّفات بعد هذا التاريخ. وسنأتي على ذِكر عدد منها في السياق.

2. التشجيع من قِبل السُلطات الرسميَّة وعلى رأسها رئيس البلاد بالذات:

– بعد زيارة الوفدين الأميركيّين المارونيّين، لاحظنا أن لا طريق سالكة إلى بلدة براد حيث قبر مار مارون. فتوجّهنا مع رئيس جمعيَّة العاديّات الأستاذ محمّد قجّة ومستشار الجمعيَّة المهندس عبد الله حجّار إلى محافظ حلب آنذاك الدكتور محمّد مصطفى ميرو، وعرضنا عليه الوضع، فوعدنا خيراً.

وما إن أصبح الدكتور ميرو رئيساً للوزراء بعد شهرين، من هذا التاريخ، والتقيناه لنهنّئه، حتّى زفّ إلينا البُشرى بأنّ طريق براد قد لُزّمت. وسينتهي العمل فيها في غضون شهرين أو ثلاثة. وهكذا كان.

شُقَّت طريق بطول 17.5كم، وعُبّدت… وهي كناية عن طريقين أُصلحتا كلّيّاً، واحدة تصعد من “الباسوطة” وأُخرى تأتي من بلدة “زيارة”، وتلتقي الطريقان في بلدة “كيمار” الأثريَّة… حيث تؤلّفان طريقاً واحدة تصل إلى بلدة براد.

وشجّعنا سيادة الرئيس الدكتور بشّار الأسد بالذات، بعد أن التقيناه في عيد الفطر في 5/11/2002، إذ قال لنا: “قدّموا لنا مشاريعكم، ونحن جاهزون لتلبية طلبكم”.

وقد منحنا سيادته مزيداً من التشجيع، في أثناء استقباله لنا مؤخّراً في دمشق في 16/12/2008، مؤكّداً دعمه الكامل في ما سعينا إليه، وحرصه على المحافظة على روحانيَّة هذه المنطقة بما فيها من معالم تاريخيَّة وصروح قدسيَّة. 

3- تأليف لجنة رسميَّة

في 19 آب 2003، تمّ تأليف لجنة رسميَّة بمرسوم صدر عن وزير السياحة الدكتور سعد الله آغا القلعة، وهو من حلب. وفي المرسوم أنّ مهمّة هذه اللجنة هي “دراسة واقع موقعَي براد وكيمار (والأصحّ قلعة كالوته) ولا سيّما الأماكن التي عاش فيها ودُفن مار مارون أبو الطائفة المارونيَّة، وتقديم المقترحات بشأن تقديم الخدمات الأساسيَّة والسياحيَّة لها”.

وكان في هذه اللجنة ممثّلون عن وزارة السياحة، ومديريَّة الخدمات، ومديريَّة الآثار، إلى جانب ممثّلين عن مطرانيَّة حلب المارونيَّة .

اضطلعت هذه اللجنة بمهامّها، وفي 16 آذار من هذا العام 2009 تمّ تعديل في تكوين اللجنة. فأصبحت تضمّ ثمانية أعضاء يمثّلون الهيئات الرسميَّة المختصّة في حلب، وعلى رأسهم المهندسة علياء الحسين، بالإضافة إلى ممثّلين من المطرانيَّة المارونيَّة.

 

4- إصدار كتيّب تحت عنوان مار مارون

1- فبعد هذا كلّه، أصبح لزاماً علينا أن نقوم بدراسة معمَّقة، كي نُقنع ذاتنا أوّلاً، ومن ثمّ الكنيسة المارونيَّة، والدولة السوريَّة، بجدّيَّة هذا الأمر. فكان الكتيّب الذي أصدرناه العام 2004. وهو يرتكز على كتابات الأب هنري لامنس اليسوعيّ H. Lammens، والخوري بطرس ضو، وكتب الآباء الفرنسيسكان الثلاثة: إيناسيو بانيا I. PEÑA وبسكال كستلاّنا P. Castellana وروموالدو فرنانديز R. Fernandez، والأستاذ عبد الله حجّار، الذين تطرّقوا إلى ذِكر مار مارون، بالإضافة إلى الكتب الإحدى والعشرين المذكورة في حواشي هذا الكتيّب. ولقد وجدنا ثمانية براهين توافقيَّة، وثلاث شهادات. واحدة من حلب واثنتان من أهالي براد بالذات. تدلّ على إقامة مار مارون ودفنه في هذه الأماكن. وأُرسلت مسوّدة هذا الكتيّب إلى نحو من خمسين من البحّاثة والمهتمّين بالأمور التاريخيَّة. فجاءتنا معلومات أضفناها إلى عملنا هذا، وملاحظات نقّحناه بها…

2- طُبع هذا الكتيّب بعنوان: “مار مارون، أضواء على حياته ومنسكه ودفنه” (64ص، قطع وسط)، في بدء خريف العام 2004. وقُدّمت طباعته هديَّةً إلينا من قسم الفنّ الكنسيّ ورئيسه حضرة الأب عبدو بدوي، وبمباركة قدس الأب العامّ للرهبانيَّة المارونيَّة بلبنان الأبّاتي الياس خليفة، وإسهام الأبّاتي بولس نعمان… ونستهلّها مناسبة
كي نقدّم لهم الشكر الجزيل على كلّ ما قاموا به من عمل مجدّ على الأرض، ومن مبادرات مع العديد من آباء جامعة الروح القُدُس – الكسليك، وأساتذتها وطلاّبها، وعلى رأسهم المهندس إيلي طعمة الذي أعدّ المخطّطات لمركز سياحيّ دينيّ في الهواء الطلق، نالت إعجاب وزارة السياحة ومديريَّة الآثار السوريّتين.

3- وفي أثناء انعقاد الدورة الثانية للمجمع البطريركيّ المارونيّ، في تشرين الأوّل 2004، عرضنا هذا الكتيّب مع عدد من الشرائح المصوَّرة والمعلومات التي في حوزتنا. وكان ذلك بحضور غبطة أبينا البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، والسادة الأساقفة الموارنة والوفود الآتية معهم من بلدان النطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار، وأمام خبراء المجمع والمستمعين (وكان عددهم الأصليّ 313 شخصاً)، فلقينا كلّ تشجيع واهتمام. وطُلب إلينا أن ننقل الكتيّب إلى اللغات المحكيَّة في بلدان الانتشار.

5- محتوى الكتيّب:

يضمّ الكتيّب مقدّمة وثلاثة فصول، تليها ثلاثة ملحقات.

1. المقدّمة: الوجود التاريخيّ لمار مارون – ونبذة عن تيودوريطُس أسقف قورش الذي كتب عنه.

2. الفصل الأوّل: حياة مار مارون.

سيرة مار مارون، كما هي واردة في كتاب “تاريخ أصفياء الله” لتيودوريطُس أسقف قورش – ما الذي جمعه مع غيره من نسّاك المنطقة وما الذي يميّزه – هل كان مار مارون كاهناً؟ – ما الذي نعرفه عن تاريخ مولده ووفاته؟

3. الفصل الثاني: المكان الذي عاش فيه مار مارون.

1- تساءلنا: هل عاش في أبرشيَّة قورش بالتحديد؟ – الجواب: لا، لم يعش في أبرشيَّة قورش، بل في حدودها.

2- هل عاش في جوار أفاميا – قلعة المضيق اليوم؟ – الجواب: لا.

3- هل عاش في “مغارة مار مارون” على منبع نهر العاصي في لبنان؟ – الجواب: لا.

4- هل عاش في قرية كفر نبو؟ – الجواب: لا.

5- أين عاش إذاً؟ – الجواب: في قلعة كـالوته، التي تبعد عن براد زهاء 3 كم بالخطّ المستقيم، و6 كم من خلال الطريق التي شُقّت حديثاً بين قلعة كالوته وبلدة براد.

4. الفصل الثالث: تكريم جثمان مار مارون والمدفن الذي وُضع فيه.

– كيفيَّة تكريم الشهداء في هذه المنطقة من سورية الشماليَّة.

– انتقال طريقة تكريم الشهداء إلى تكريم القدِّيسين مع مار مارون بالذات.

– دفن مار مارون في بلدة براد، التي تبعد الآن نحو 40كم عن حلب.

– لماذا بلدة براد؟

لأنّها تتوافق مع ما أخبره تيودوريطُس عن المكان الذي فيه دُفن مار مارون، الذي قال: “إنّه بعد أن مات مار مارون قامت معركة عنيفة بين السكّان المجاورين للاستيلاء على جثمانه. وكانت الغلبة لبلدة متاخمة مكتظّة بالسكّان”. (تيودوريطُس أسقف قورش، تاريخ أصفياء الله، نقله عن اليونانيَّة الأرشمندريت أدريانوس شكّور ق. ب، المطبعة البولسيَّة، جونيه – لبنان، 1987، الفصل 16).

– فبلدة براد هي متاخمة لقلعة كالوته.

– وكانت مكتظّة بالسكّان في ذلك العهد.

– وكانت مركزاً إداريّاً ودينيّاً منذ القرن الرابع: وصار فيها تباعاً، كما ذكرنا سابقاً، كنيسة كبرى بُنيت بين 399-402، وكنيستان أُخريان، ودير، وبرج، وعمود.

– وكان للكنيسة الكبرى، كنيسة صُغرى ملتصقة بها، بُنيت بعد العام 402 بقليل (حوالى 410-420) أي على أثر موت مارون.

5. الملاحق الثلاثة:

– الملحق الأوّل: رسالة الأبّاتي بولس نعمان إلينا بتاريخ 10 آب 2003، وهي تشجّع على الاهتمام بهذين المكانين المذكورين: قلعة كالوته، وقبر مار مارون في براد.

– الملحق الثاني: كتاب الأب بسكال كستلاّنا إلى غبطة البطريرك صفير بتاريخ 6/5/2003، يتكلّم فيه على تنسّك مار مارون في قلعة كالوته.

– الملحق الثالث: نبذة عن مؤلَّفات الآباء الفرنسيسكان الثلاثة: كستلاّنا وفرنانديز وبانيا. ولهم 13مؤلَّفاً كبيراً، ما عدا المنشورات والمقالات العديدة في وصف الآثار الدينيَّة لهذه المنطقة، ومنها أماكن مار مارون.

وختاماً، ننقل إليكم المقطع الأخير من هذا الكتيّب، وهو مأخوذ عن البحّاثة الأب إيناسيو بانيا:

“يعود إلى الكنيسة السوريَّة شرف بدء الاحتفال بموت نسّاكها المتوفَّين برائحة القداسة، فالقدِّيس مارون كُرِّم في سورية الشماليَّة، منذ بداية القرن الخامس، بعبادة علنيَّة”.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير