الفاتيكان، الخميس 5 أكتوبر 2009 (zenit.org)– فيدس – السلام هو إحدى القيم الأكثر احتياجاً في عالمنا. شهد القرن الأخير صراعات عنيفة أكثر من كل الحقبات التاريخية السابقة. وأنتج هذا الوباء ثمار الموت والدمار والانقسام والبغض. هنا لا يولد العنف إلا المزيد من العنف ويقتل البشر بعضهم البعض. لذا فإن الإنسان العصري يتوق إلى السلام، ويحتاج إليه في سبيل إعادة تأسيس ذاته روحياً.
يجب أن يكون المؤمنون حاملي السلام لأن الله إله السلام. هذا السلام لا يحدث إن كان كل فرد لا يهتم إلا بمصالحه الخاصة من دون العمل من أجل الخير العام. وفي زيارته إلى الأراضي المقدسة في مايو الأخير، ذكر البابا بندكتس السادس عشر أن السلام هو في المقام الأول هبة من عند الله لا بد من السعي من أجلها من كل قلوبنا. من هذا التصريح نرى أن السلام أمر نلتمسه ونبتهله كونه هبة إلهية. مع ذلك، لا بد أيضاً من السعي من أجله لأنه يتطلب جهوداً بشرية. فإن يسوع يدعو الأشخاص العاملين من أجل السلام “مباركين” وأبناء الله.
وفي حديثه عن الديانات الأخرى، يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في إعلان “في زماننا هذا”: “لا تنبذ الكنيسة الكاثوليكية الحقائق والمقدسات في هذه الديانات. إنها تنظر باحترام صادق إلى أساليب السلوك والحياة، والتعاليم التي تختلف عن تلك الخاصة بها في جوانب عديدة، والتي كثيراً ما تعكس نوراً من هذه الحقيقة التي تنير جميع البشر. إنها في الواقع تعلن المسيح دوماً “الطريق والحق والحياة” (يو 14، 6)، الذي يجد فيه البشر كمال الحياة الدينية، والذي صالح به الله كل شيء مع نفسه” (في زماننا هذا، 2).
في الحوار مع الديانات الأخرى، لا تسعى الكنيسة إلى مضارعة الحقائق المحددة الموهوبة من خلال الوحي الإلهي. لا تسعى إلى تقديم المسيح كأحد سبل الخلاص. ففي الواقع أن ما من اسم آخر قد أعطي تحت السماوات لنخلص به. بالحفاظ على هذه الطبيعة الفريدة لوساطة المسيح المخلصة، تحث الكنيسة “أبناءها، من خلال الحوار والتعاون مع أتباع الديانات الأخرى على أساس الحكمة والمحبة وبالشهادة للعقيدة والحياة المسيحيتين، على معرفة وتعزيز الأمور الروحية والأخلاقية الجيدة والقيم الاجتماعية والثقافية الموجودة لدى هؤلاء البشر” (في زماننا هذا، 2).
يعتبر البابا بندكتس السادس عشر أن “إسهام الديانات في السعي وراء السلام يكمن أولاً في البحث الصادق والمشترك عن الله” (الزيارة الرسمية إلى رئيس دولة إسرائيل، 11 مايو 2009)، لأن حضور الله هو الذي يوحد القلوب ويضمن الوحدة.
خلال العودة من رحلة الحج إلى الأراضي المقدسة، وبالحديث مع الصحافيين على متن الطائرة، قال الأب الأقدس: “لقد وجدت في كل سياق مسلم ومسيحي ويهودي استعداداً للحوار بين الأديان واللقاء والتعاون بين الديانات. ومن المهم أن ينظر الجميع إلى ذلك ليس كعمل ملهم من دوافع سياسية في ظروف معينة وإنما كثمرة جوهر الإيمان. لأن الإيمان بالله الواحد الذي خلقنا جميعاً، أبينا جميعاً، الإيمان بالله الذي خلق البشرية كعائلة، الإيمان بأن الله محبة ويريد أن تكون المحبة القوة المهيمنة في العالم، يتضمن هذا اللقاء، هذه الحاجة إلى اللقاء والحوار والتعاون كمطلب الإيمان عينه” (الرحلة البابوية، 15 مايو 2009).
في النظام الاجتماعي، يقتضي السلام السعي وراء العدالة والسلامة والأمن. وهذه القيم لا تتعزز إلا من خلال عيشها. قال البابا أننا بحاجة “إلى النظر إلى الآخر على أنه نِدّي، أخي أو أختي” في سبيل بناء السلام (الزيارة إلى رئيس دولة إسرائيل، 11 مايو 2009). إن عاش المؤمنون بسلام وبالسعي وراء السلام، تبدل المجتمع.
المغفرة هي جزء أساسي من عملية بناء السلام. وحده الشخص القادر على المسامحة بتواضع يمكن أن يكون رسول السلام. إن الضغينة تولد التشرذم والعنف. أما المغفرة فإنها تولد السلام الداخلي وتعيد بناء الإنسان وتقويه على مثال الله الكلي القدرة الرحيم والغفور.
في صلاتنا لهذا الشهر، نطلب من القديسة مريم أم البشر وسلطانة السلام أن تتشفع لأبنائها لكيما يسمح البحث الصادق عن “كل ما هو حقيقي ومحترم وعادل وطاهر وجميل” ببقاء “إله السلام” معنا على الدوام.