"الانفتاح على الهجرة قد يكون المفتاح الأساسي للتنمية الشاملة"

حاضرة الفاتيكان، الأربعاء 11 نوفمبر 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها بندكتس السادس عشر يوم الاثنين الفائت لدى استقبال المشاركين في المؤتمر السادس لراعوية المهاجرين واللاجئين الذي عقد تحت شعار: "إجابة رعوية عن ظاهرة الهجرة في زمن العولمة. بعد خمس سنوات من تعليم "محبة المسيح للمهاجرين".

***

نيافة الكرادلة،

إخوتي الأجلاء في الأسقفية والكهنوت،

إخوتي وأخواتي الأحباء،

يسعدني أن أستقبلكم في بداية المؤتمر العالمي لراعوية المهاجرين واللاجئين. أحيي أولاً رئيس مجلسكم الحبري المونسنيور أنطونيو ماريا فيليو، وأشكره على الكلمات الطيبة التي افتتح بها هذا اللقاء. وأحيي أمين السر والأعضاء والمستشارين والمسؤولين في المجلس الحبري لراعوية المهاجرين والمتنقلين. كذلك أوجه تحية إجلال إلى رئيس مجلس الشيوخ في الجمهورية، ريناتو سكيفاني، وإلى جميع الحاضرين هنا. إنني أعبر عن تقديري لكم على الالتزام والاهتمام اللذين تعملون من خلالهما في مجال اجتماعي معقد ودقيق، مقدمين الدعم للأشخاص الذين غادروا بلادهم وهاجروا إلى أمم أخرى طوعاً أو قسراً.

إن شعار المؤتمر "إجابة عن ظاهرة الهجرة في زمن العولمة" يوضح السياق الذي تحصل فيه حركات الهجرة في زماننا الحالي. فإن كانت ظاهرة الهجرة قديمة قدم تاريخ البشرية، فإنها لم تتضح في الماضي بإشكالياتها الثابتة والمعقدة كما حصل في الزمن الحالي. إنها تشمل الآن كل بلدان العالم تقريباً وتندرج في عملية العولمة الواسعة. فملايين النساء والرجال والأطفال والشباب والعجزة يواجهون مآسي الهجرة إما للبقاء على قيد الحياة وإما للسعي وراء تحسين ظروف الحياة لهم ولعائلاتهم. ففي الواقع أن الفجوة الاقتصادية تتسع أكثر فأكثر بين البلدان الفقيرة والأخرى الصناعية. وتؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إضافة إلى نمو نسبة البطالة، إلى تقليص فرص العمل وزيادة أعداد الأشخاص الذين لا يتوصلون حتى إلى إيجاد عمل مؤقت. لذا يضطر كثيرون إلى مغادرة بلادهم وجماعاتهم ويستعدون للقبول بالعمل في أوضاع لا تتوافق مع كرامة الإنسان مواجهين مشاكل صعبة في الانخراط في المجتمعات المضيفة بسبب اختلاف اللغة والثقافة والتراتبية الاجتماعية.

إن ظروف المهاجرين واللاجئين تذكر بشكل ما بظروف الشعب البيبلي القديم الذي عبر البحر الأحمر هرباً من عبودية مصر وأملاً بأرض الميعاد، واضطر إلى مواجهة وعورة الصحراء لتحقيق الهدف المنشود. حالياً يغادر كثيرون بلادهم هرباً من الظروف الحياتية غير المقبولة إنسانياً من دون أن يحظوا بالاستقبال الذي يرجونه. أمام أوضاع معقدة جداً، كيف لا نفكر بتداعيات مجتمع قائم بشكل أساسي على التنمية المادية؟ في الرسالة العامة "المحبة في الحقيقة"، لفتت إلى أن التنمية الفعلية هي فقط التنمية الشاملة التي تشمل كل البشر وكل الإنسان. وتتخذ التنمية الفعلية دائماً طابعاً تضامنياً. ففي مجتمع متجه نحو العولمة، لا يستطيع الخير العام والالتزام به ألا يهتما بأبعاد العائلة البشرية جمعاء، أي أسرة الشعوب والأمم – حسبما ذكرت أيضاً في المحبة في الحقيقة –. على العكس، وحسبما أشار خادم الله يوحنا بولس الثاني، فإن عملية العولمة عينها قد تشكل فرصة مناسبة لتعزيز التنمية الشاملة، ولكن فقط "إن تم قبول الاختلافات الثقافية كفرص لقاء وحوار، وإن أدى التوزيع غير المتساوي للموارد العالمية إلى إدراك ضرورة التضامن الذي يجب أن يوحد العائلة البشرية (الرسالة إلى اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين سنة 1999، في التعليم 22، 2، 1999، 988). من هنا تنعكس ضرورة إعطاء أجوبة ملائمة عن التغيرات الاجتماعية الكبيرة الحاصلة مع الاعتبار بأنه ما من تنمية فعالة ما لم يتعزز التلاقي بين الشعوب، والحوار بين الثقافات، واحترام الاختلافات المشروعة.

من هنا، نتساءل: لمَ لا يتم اعتبار ظاهرة الهجرة العالمية التي تحصل حالياً كظرف ملائم لتعزيز التفاهم بين الشعوب وبناء السلام والتنمية التي تشمل جميع الأمم؟ هذا ما أردت التذكير به في الرسالة لليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين في السنة اليوبيلية البولسية: تدعو حركات الهجرة إلى تسليط الضوء على وحدة العائلة البشرية، وأهمية الترحيب بالآخر واستضافته ومحبته. يجب أن يترجم ذلك بمبادرات يومية من المشاركة والتعاون والعناية تجاه الآخرين، وبخاصة تجاه المحتاجين. وفي سبيل تقبل بعضنا البعض، - يقول القديس بولس - يعلم المسيحيون أنه ينبغي عليهم الإصغاء إلى كلمة الله التي تدعو إلى الاقتداء بالمسيح والبقاء موحدين فيه. هكذا فقط يصبحون قادرين على الاهتمام بالآخر ولا يستسلمون لنزعة الاستهزاء بالشخص الذي يختلف عنهم. فيعتبرون كل الرجال وكل النساء الذين خلقوا على صورة المسيح إخوة وأخوات، أبناء وبنات الآب الواحد. ويساعدهم كنز الأخوة على "النمو في الترحيب بالغير" الناتج عن المحبة (التعليم الرابع، 2، 2008، 176-180).

إخوتي وأخواتي الأحباء، الأمناء لتعليم يسوع، لا تقدر الجماعات المسيحية على التوقف عن تنمية احترام جميع البشر الذين خلقوا على صورة الله ومثاله وافتداهم المسيح بدمائه، بخاصة في محنهم. من هنا تدعو الكنيسة المؤمنين إلى فتح قلوبهم للمهاجرين وعائلاتهم، مدركين أنهم ليسوا "مشكلة" فقط، وإنما "ملجأً" لا بد من تقييمه جيداً من أجل البشرية وتنميتها الفعلية. أجدد شكري لكم جميعاً على الخ دمة التي تقدمونها للكنيسة والمجتمع، وأبتهل شفاعة مريم الوالدية لكل عمل تقومون به لصالح المهاجرين واللاجئين. وإني إذ أؤكد لكم على صلواتي، أمنح بركاتي لكم ولأعضاء عائلة المهاجرين واللاجئين الكبيرة.

ترجمة وكالة زينيت العالمية

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009