هذا لا يعني حتما أن الأسقف يقبله في مصفّ القساوسة. حكم المطران في أهلية هذا المجاز للكهنوت هو الأخير. والمطران له أن يستبقي عنده هذا المجاز في اللاهوت أو يرسله الى دير يتروّض فيه لفترة أو بحسب عرف الكنائس الشرقية أو حقّها القانوني يطلقه الى الزواج اذا قرّره الفتى ويحكم بعد زواجه بفترة إن كان مستعدا لاقتبال الكهنوت.
قبل هذا التنظيم العلميّ والتأهل الروحيّ كانت الرعية في بعض الكنائس تقدّم للأسقف من ترى فيه خصالاً حميدة. يبقى بحسب القوانين القديمة أننا لا نستطيع أن نفرضه على رعية تعرفه وتأباه. ولكن بعد إنشاء المعاهد اللاهوتية العليا أخذ الأسقف يعرض على الرعية من رآه مستحقًا فتقبله فعليا.
على رغم كل هذه الشروط قد يخطئ الأسقف الخيار. عندذاك، يرعى الكاهن بمحبته ورقابته والقانون الكنسيّ بعد أن تمّ الخيار.
هذا هو الإطار وهذا هو التدبير لشعبنا.
أمام هذه الآفاق بقي المسيحيون يصرّون على نقاوة الكاهن وطهارة سلوكه عند مجيئه. هذا أمر قد يتضح كثيراً عند اقتبال الرجل واندراجه في مصف أترابه. وهذا لا مزاح فيه على الإطلاق لأن الكاهن يقول لرعيته قول بولس: “تَشبّهوا بي كما أتشبّه انا بالمسيح” ( 1كورنثوس 1:11). هذا هو الراهن أن الكاهن السيئ يُفسد الرعية أو بعضاً من الرعية لأن المتألهة نفوسهم وعقولهم لا يؤذيهم أحد. لكن المغامرة لا تجوز إن أحسسنا على صعيد أخلاق الرجل أن ثمة مغامرة.
إن وجب على كنيسة الأرض أن تكون على صورة كنيسة السماء اي مغذّاة بالحياة الأبدية فرفض المرشح السيئ أبسط هدية يقدّمها للرعية راعيها. فالكثيرون يحكمون على الكنيسة من رؤيتهم لرعاتها والبعض يتركون الصلاة بسبب من القيّمين عليها. تَشدّد الأسقف عند الرسامة هو الضمان الوحيد لاختيار انسان وقور والوقوف أمام الضغوط التي تمارسها فئات عديدة وأهمها السياسيون.
هذا لا يعفي الرئيس الروحي من تقوية الكاهن عند ضعفاته. كل منا في حاجة الى من يشدّده في الإيمان وفي حياة الصلاة، في النضال من أجل اكتساب الفضائل الإنجيلية.
ويبقى كلّ منا في جهاده حتى يقبضه الله في رحمته. غير أن حياة الصلاة في الكاهن لا تُغنيه عن المعرفة. هنا لا أتكلم على الذوق الإلهي الذي ينسكب علينا من أداء العبادات. فنصوصها لمن مارسها سنين طولى ينبوع حياة ولكن لا شيء يحرّرك من دراسة الكتاب الإلهي والتراث دراسة جديّة. “اعكف على القراءة حتى مجيئي” (1 تيموثاوس 13:4). واذا كانت المعرفة الكبرى وزنة سلّمها الله الينا لننير بها الناس فنُسأل عنها في يوم الدين. القول إنه يكفينا كاهن “طيّوب”، مفتقد للعائلات وقائم بالخدمة الإلهية قول يُبطن أننا لسنا في حاجة الى أن نعلم كل ما يمكن علمه. آن الأوان ليفهم شعبنا أن الإيمان يحتاج الى توضيح والى أن نعقله لندافع عنه بالفم كما نشهد له بالحياة الطاهرة.
اجل ليس من انسان في العالم قرأ كل كتب آبائنا، وليس من كاهن رعية عديلاً لأي كاهن آخر في المعرفة، ولكن ثمّة معلومات أساسيّة يطلبها المؤمن بحسب قول بطرس: “كونوا مستعدّين لمجاوبة كل واحد على رجاء الثقة التي فينا” (1بطرس 15:3). غير أن كل مطّلع من القسس يعرف زميلا له أكثر اطّلاعاً على بعض المواد.لذا لا بد من المشاركة بين العارفين. غير أن من تغاضى عن الأساسيات لا يقدر ان يواجه العلمانيين بما يطلبونه من هذه الأساسيات.وهنا لا فرقا بين كاهن المدينة وكاهن قرية صغيرة اذ صارت القرى عندنا مدنًا مصغّرة فيها مثقفون. تأسيساً على هذا عندنا اليوم في الكنائس كهنة حملة دكتوراه في كل مكان. ولا نرى أحداً منهم يستعلي بسببٍ من علمه. والثقافة الدينيّة عند المسؤولين تتطلّب من الكاهن مطالعة دائمة. الكاهن انسانٌ قَرّاء على مدى الحياة ليس فقط ليفرح ولكن ليعطي.
وما يوجب ذلك بنوع خاص أن الكاهن واعظ احترافا. والموعظة حتى لا تكون رتيبة تتكرر هي اياها في الموسم ذاته تضطرّك الى أن تغذّي فحواها بما تُطالع في كل مجالات الإلهيات مع التأكيد أن كتب التفسير الكتابي هي السلاح الدائم للخطيب. أجل هذا يقتضي ان تقوم بالتفسير بما يقتضيه الموقع والعصر. الكاهن الوقور المُحب لشعبه يطمح الى القداسة والمعرفة معاً حتى يبقى ينبوعاً زاخرًا لهؤلاء الذين أُوكلوا اليه ليصيروا على صورة المعلّم الإلهي.