"أومن" عيشٌ وثبات؟

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم جميلة ضاهر موسى

القبيات، الجمعة 13 نوفمبر  2009 (Zenit.org). – في ذلك الزمان، يوم دخل زكريّا، الكاهن العجوز، قدس الأقداس، ذَهِل عند بشارة الملاك له بأنّه سيرزق بطفلٍ – طفلٍ لطالما انتظره مع زوجته كي يمحو عنهما عار العقم – وساوره الشكّ في إعطاء الربّ له ما حرمته منه الطبيعة البشريّة، وربّما أخفى بسمةً ساخرة، ساذجة، تحمل في طيّاتها تساؤلاتٍ كثيرة عن سبب عجزه طبيعياً في الإنجاب عند سماع البُشْرى.

    في تلك اللّحظة نَسِيَ ما حدث لِسَارة وإبراهيم، وكيف أنّ الله رزقهما ولداً في شيخوختهما. نَسِيَ إيمانهما المطلق بالله وقدرته، وهو من أهل الفِقْهِ ودارسيّ الشريعة والكتاب، فأدخله الله، لشكّه، في صمتٍ طويلٍ كي يغوص في أعماق الإيمان ويتأمّل فيه، لعلّه يدرك فَيَفْهَم أكثر معنى الإنتظار، ومدى خوف الله على سيرة أبنائه وحفاظه على أحاسيسهم، فيثبت، ويصبح “بِرّهُ برًا” (الرسالة إلى أهل روما)، أي إيماناً مطلَقًا بالله وقدرتة.

    إنّ الآب الذي نَفَخَ فينا نفحة منه و”طبعنا على كفّه قبل أن نولد”، مدركاً تمامًا كلَّ مرارةٍ وألمٍ نحسّ بهما، لن يتركنا نتخبّط في الفشلِ ونغرقَ في اليأس حتّى موت النّفْس ونحن ما نزال على قيد الحياة. هذا إن قبلناه في حياتنا، وآمنّا بأنّ عنده وحده  الخلاص.

     ربّما تساءل الزوجان، زكريّا وأليصابات، كما نتساءل نحن اليوم: إذا كان الله، محبّاً ورؤوفاً، فلماذا إذاً تركهما يعانيان من تلك المرارة، وذلك الألم النفسيّ؟ لماذا لم يُكْرِمْهُما بولدٍ في صباهما كي يكون لهما علامة رضى؟ هل كان من الضّروريّ أن ينتظرا كلّ تلك السنوات كي تحلّ مشكلتهما؟

       إن الله هو الأب الساهر” الذي لا ينعس ولا ينام”. إنّه المقدِّرُ الأكبر لأحاسيسنا بِمّا يفوق بكثير احترامنا لذواتنا، رغم ضعفنا وتزمّتنا أحياناً، وعدم إدراكنا لمفهوم” الكلمة”. لكنّ جلّ ما يريده منّا، ألاّ نقيّده بمحدوديتنا، أو ننظر إليه بِعَيْن ” الأنا”، ونقيس أعماله بمقياس الإفادة الشخصيّة، ونكيلها بمكيال إمكانياتنا التي تكاد لا تضاهي حبّة رملٍ في بحر كَرَمِه وحبّه وسخائه.

    يريدنا أن نَصْمُت كي نصغي إلى همساته الرقيقة، أنْ نُسْكِتَ هَزْرَ الكلماتِ وتكرار الآياتِ المحفوظة؛ أن نُوقِفَ تزاحم أفكارنا، كي نتأمّل في عطاياه ومواهبه، التي خصّ بها كلّ إنسانٍ بشخصه، وجعله فريدًا. يريدنا أن نؤمن بوعده لنا، عندما نرفع أيدينا  متضرّعين كي يزيل كُرْبتنا، ويخفّف همّومنا وآلامنا.

هو أحبّنا حتّى إنّه سكن بيننا وحمل أثقالنا وافتدانا، لذلك يريد منّا التواصل معه بصلاةٍ مفعمة بالحبّ والإيمان كحبِّ وشغفِ الحَبِيبَين للتحدُّث عن عشقهما، لا بصلاةَ “طلبيّةِ مطعمٍ” ساذجة، تحدّها شروط الزمان والمكان والطريقة و”السِعْر”، إلى ماهنالك… يريدنا أبراراً نَزْهُو في خضمّ رياض الحياة وصَخْبِها، كالوردة الجميلة العَطِرَة بين “الهشير”، تبقى على كَرَمِها في العطاء بما امتلأت به مِن نِعَمٍ، مؤمنةً بانّها سَتُرزَقُ ﺒ”أبناءٍ صالحين” ينتظرون فيض عطرِ الروح في نفوسهم العَطْشَى للحبّ.

(موقع القبيات الإلكتروني)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير