إبراهيم، "أبو المؤمنين"، الّذي "حسبَ لهُ إيمانهُ برّاً"

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم الخوري نسيم قسطون

القبيات، الجمعة 13 نوفمبر  2009 (Zenit.org). – نقدم نص رسالة  قداس الأحد بحسب الطقس الأنطاكي السرياني الماروني مع تعليق مقتبس من “نشرة الأحد” – موقع القبيات الإلكتروني.

مدخل

 

–          أحد بشارة زكريّا هو الأحد الأول من زمن الميلاد وتدعونا الكنيسة فيه، من خلال نصّين من الرسالة إلى أهل روما ومن إنجيل لوقا، إلى تأمّل قدرة الله ومنطق الله اللذين يتخطّيان منطق البشر وقدرة البشر.

–          ففي الرسالة إلى أهل روما يدعونا مار بولس إلى فحص حياتنا ومواقفنا على ضوء التأمل بشخصيّة وإيمان إبراهيم “البار” و”أبو المؤمنين”.

–          أمّا في إنجيل لوقا فنتأمّل في حنان الله الّذي أعاد الدفء إلى حياة وقلوب ونفوس وبيت زكريا وإليصابات من خلال البشارة بميلاد يوحنا (ومعناه الله تحنّن)!

–          ففي هذا الأحد، تدعونا الكنيسة، لندخل في منطق الرّجاء مهما أظلمت الدنيا واغلقت الأبواب لأنّ الربّ حاضرٌ لينشلنا متى أبقينا قلوبنا مستعدّة كما تقول ترنيمة الأطفال: “قلبي مهيّا مغارة، ربّي عمللي زيارة”!

 

صلاة

 

نَشكُرُكَ أيّها الآب السماوي، في كلّ حين، على سخائك علينا بنعمة الحياة، من خلال استمرار الخليقة في الوجود.

نشكرك أيّها المسيح يسوع، في كلّ وقتٍ، على إنعامك علينا بسرّ البقاء بتجسّدك وبموتك وبقيامتك من أجلنا ومن أجل خلاصنا.

نشكرك أيّها الروح القدس، في كلّ آنٍ، على صبرك على شكّنا وقلقنا، المتجلّي في إشعاع نورك الدائم علينا.

نشكرك أيها الثالوث القدّوس على محبّتك الدائمة لنا ونسألك أن تثبّت الإيمان في نفوسنا وتدعّم الرّجاء في قلوبنا وترسّخ المحبّة في حياتنا لنرفع إليك، في كل لحظةٍ، نشيد تسبيح وتمجيد، إلى الابد، آمين.

 

الرسالة

 

                                   13فَالْوَعْدُ لإِبْرَاهيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ وَارِثاً لِلعَالَم، لَمْ يَكُنْ بِواسِطَةِ الشَّرِيعَة، بَلْ بالبِرِّ الَّذي نَالَهُ بالإِيْمَان.

                                   14فلَوْ كَانَ أَهْلُ الشَّرِيعَةِ هُمُ الوَارِثِين، لأُبْطِلَ الإِيْمَان، وأُلْغِيَ الوَعْد؛

                                   15لأَنَّ الشَّرِيعَةَ تُسَبِّبُ غَضَبَ الله؛ وحَيْثُ لا شَرِيعَة، فَلا تَعَدِّيَ لِلشَّرِيعَة.

                                   16لِذلِكَ فَأَهْلُ الإِيْمَانِ هُمُ الوَارِثُون، لِكَي تَكُونَ الوِرَاثَةُ هِبَةً مِنَ الله. وهـكَذَا تَحَقَّقَ الوَعْدُ لِكُلِّ نَسْلِ إِبْرَاهيم، لا لِلنَّسْلِ الَّذي هُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ فَحَسْب، بَلْ أَيْضًا لِلنَّسْلِ الَّذي هُوَ مِنْ أَهْلِ الإِيْمَان، إِيْمَانِ إِبْرَاهِيم، الَّذي هُوَ أَبٌ لَنَا أَجْمَعِين؛

                                   17كَمَا هُوَ مَكْتُوب: “إِنِّي جَعَلْتُكَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَة”. فَإِبْرَاهِيمُ الَّذي آمَنَ باللهِ هُوَ أَبٌ لَنَا أَمَامَ الله، الَّذي يُحْيي الأَمْوَات، ويَدْعُو غَيْرَ الـمَوْجُودِ إِلى الوُجُود.

                                   18وقَدْ آمَنَ إِبْرَاهيمُ رَاجِياً عَلى غَيرِ رَجَاء، بِأَنَّهُ سَيَصيرُ أَباً لأُمَمٍ كَثيرَة، كَمَا قِيلَ لَهُ: “هـكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ”.

                                   19ولَمْ يَضْعُفْ بِإِيْمَانِهِ، بِرَغْمِ أَنَّهُ رأَى، وهُوَ ابنُ نَحْوِ مِئَةِ سَنَة، أَنَّ جَسَدَهُ مَائِت، وأَنَّ حَشَا سَارَةَ قَدْ مَات.

                                   20وبِنَاءً عَلى وَعْدِ الله، مَا شَكَّ وَلا تَرَدَّد، بَلْ تَقَوَّى بالإِيْمَان، ومَجَّدَ الله.

                                   21وأَيْقَنَ مِلْءَ اليَقِينِ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُنْجِزَ مَا وَعَدَ بِهِ.

                                   22فَلِذلِكَ حُسِبَ لَهُ إِيْمَانُهُ بِرّاً.

                                   23ولَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ “حُسِبَ لَهُ بِرّاً”،

                                   24بَلْ كُتِبَ أَيْضًا مِنْ أَجْلِنَا، نَحْنُ الَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا بِرًّا، لأَنَّنَا نُؤْمِنُ بِالَّذي أَقَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ يَسُوعَ رَبَّنَا،

                                   25الَّذي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ زَلاَّتِنَا، وأُقيمَ مِنْ أَجْلِ تَبْريرِنَا.

 (روما 4/13-25)

 

تأمّل من وحي الرسالة

 

في مطلع زمن الميلاد، وتحديداً في أوّل أحد منه، نتوقّف على مقطعٍ من الفصل الرابع من الرسالة إلى روما، حيث:

1-      يُبرِزُ مار بولس إيمان إبراهيم، “أبو المؤمنين”، الّذي “حسبَ لهُ إيمانهُ برّاً”.

2-      ويدعو المؤمنين إلى أن يكونوا من الوارثين لنَسْلِ إِبْرَاهيم “…لا لِلنَّسْلِ الَّذي هُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ فَحَسْب، بَلْ أَيْضًا لِلنَّسْلِ الَّذي هُوَ مِنْ أَهْلِ الإِيْمَان، إِيْمَانِ إِبْرَاهِ
يم، الَّذي هُوَ أَبٌ لَنَا أَجْمَعِين”

لا شكّ بأنّ شخصيّة ابراهيم تدعو إلى الإعجاب فهو انطلق، في سنٍّ يتقاعد فيها النّاس، في مغامرةٍ لا يجرؤ الكثيرون بيننا على خوض غمار جزءٍ بسيط منها!

فمن يقرأ سيرة هذا الرجل، في سفر التكوين، يجد أنّ هذا الشخصُ هو:

1-      نموذجٌ للإيمان: فقد قبل كلمة الله وعمل بها، واثقاً بها فقط ودون طلب أيّة ضمانات أخرى، في حين أن معظمنا يضع الشروط على الله قبل الإقدام بأيّة خطوة في حياته! (تكوين 12)

2-       نموذجٌ للرجاء: فقد أتاه الله بخبر حبل زوجته في سنّ يعجزُ الطبّ، حتى في أيامنا، على مداواة عللها فكيف بنا بموضوع الحبل والولادة”؟! (تكوين 17 و 18 و 21)

3-      نموذجٌ للمحبّة: وقد برزت في علاقاته مع أنسابئه وتضحياته الكبيرة في سبيل الحفاظ على الوئام في محيطه بينما نرى، في محيطنا، ما يجري من مناكفات ومشاكسات بين ذوي القربى أو الدمّ أو الدين! (تكوين 13)

4-      نموذجٌ للصلاة وللشفاعة: فقد اعتاد على مخاطبة الله بدالّة الأبناء بينما نغرق نحن، أحياناً في رتابة التكرار! (تكوين 18)

فتأمّل شخصيّة هذا “البارّ” تدعونا إلى فحص ضميرٍ عميق حول مدى انتسابنا فعلياً إلى نسل ابراهيم، نسل أهل الإيمان؟!

فعلاقاتنا مع الله ومع الناس معظمها محسوبٌ وخاضعٌ لمقاييس وعناوين ضيقة، لا تترك مجالاً لمبادرات المحبّة إذ يتصدّر القانون أو تتحكّم العادات أو التقاليد بمعظم تصرّفاتنا وخياراتنا الحياتيّة أو العائليّة! وكثيراً ما تسيطر علينا الحسابات المنطقيّة والماديّة فتخنق ما تبقّى من روح الإيمان فينا!

تأتي هذه الرسالة، في هذا الأحد، لتدعونا إلى إعادة الاعتبار إلى روح المبادرة التي يزرعها فينا الروح القدس لنعيد وصل ما انقطع مع الله ومع الناس بسبب ضعف الإيمان وضمور الرجاء وجمود المحبّة.

فالله لا يتحرّك وفق توقيتنا بل وفق عنايته ومشيئته وما تعتبره يا أخي أسوأ الأوقات قد يكون، بنظر الله، هو “الوقت المفتدى” أو “الساعة” التي سيتمجّد فيها الله في حياتنا أو في حياة من حولنا.

هذا ما فعله الربّ مع الكاهن زكريا وزوجته أليصابات بعد سنين من اليأس والقنوط، ليفهمهم وليفهمنا “أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اللهِ أَمْرٌ مُسْتَحِيل!”(لو 137).

لذا نحن مدعوون في هذا الأحد، لنفتح آذاننا وقلوبنا ونفوسنا أمام صوت الله وكلمة الله الّذي “صار جسداً وحلّ فينا”، ولنجدّد مع كلّ “آمين” نصرخها، ثقتنا وإيماننا ورجاءنا بالله، آمين.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير