سينودس اساقفة الشّرق الاوسط بين الشّركة والشّهادة (6)

الكرسي الرّسولي والانتماء لكنيسة ذات حقّ خاص

بقلم الأب هاني باخوم

 

روما، الاثنين 23 نوفمبر 2009 (Zenit.org) –سنستعرض خلال هذه المقالة احدى مظاهر الشّركة بين الكنائس ذات الحق الخاص والكرسي الرّسولي وهي: علاقة الكرسي الرّسولي بما يختصّ بالانتماء إلى كنيسة ذات حقّ خاص؛ بمعنًى اخر، ما يختصّ بالانتماء إلى أيٍّ من الكنائس ذات  الحق الخاص. ما هو دور الكرسي الرّسولي في تحديد هذا الانتماء؟ وكيف يمكننا تفسير هذا الدّور؟ هل هو رغبة في تمركز السّلطة من الكرسي الرّسولي ام له تفسير ودافع لاهوتي وعملي؟

في البداية من المهم ان نوضّح انّ المقصود بالانتماء لكنيسة ذات حقّ خاص هو الالتحاق، الارتباط او الانتساب الى كنيسة ذات حق خاص نتيجة العماد، او قبول تغيير الانتماء إلى الكنيسة المرتبط بها بالفعل.

مجموعة القوانين الشّرقية (ق 29 – 38) تحدد القواعد التي تنظّم هذا الانتماء لايّ من الكنائس ذات الحقّ الخاص. من خلال تلك القوانين يمكننا ملاحظة بعض النّقاط الهامّة:

– هذه القوانين تُبرز مبدأً جديداً لتحديد انتماء المؤمنيين الى كنيسة ما؛ وهو القانون. فالقوانين (ق 29 – 38) هي التي تحدد مقياس انتماء الشّخص إلى كنيسة ما، على عكس ما كان في التّشريع السّابق؛ حيث كان مقياس التّحديد هو طقس العماد[1]، بما معناه انه  اذا عُمّد الشّخص حسب الطّّقس القبطي يصبح قبطيّاً او حسب الطّقس اللاتيني فيصبح منتمياً إلى الكنيسة اللاتينيّة.

– من خلال هذه القوانين نلاحظ ايضاً احقيّة الكرسي الرّسولي في التّدخل لتحديد هذا الانتماء في بعض الحالات؛

فالقانون 29 بند 1 ينصّ على:” الولد الذي لم يتمَّ الرّابعة عشر من عمره ينتسب، او ينتمي من خلال المعمودية، الى الكنيسة ذات الحقّ الخاص التي ينتمي اليها الأب الكاثوليكي. أمّا اذا كانت الامّ فقط كاثوليكية، ينتمي إلى الكنيسة ذات الحق الخاص التي تنتمي اليها الامّ  شرط ان يتّفق الوالدان على ذلك، مع الحفاظ على الشّرع الخاص الذي يقرره الكرسي الرّسولي”.

القانون يتبع تقاليد الكنائس الشّرقية في تسجيل وانتساب الولد من خلال المعمودية الى كنيسة الأب اذا كان كاثوليكياً. ويقدّم استثنائين: الاول هو امكانية انتسابه إلى كنيسة الامّ اذا كانت هي وحدها كاثوليكية، والثاني في حال اتفق الوالدان على ذلك، اي ان ينتمي الابن لكنيسة الام الكاثوليكية بالرغم من ان الاب كاثوليكي.

 الاستثناء الثاني هذا  اقام العديد من الاعتراضات داخل هيئة تشريع القانون الكنسي الشّرقي الجديد[2]. بالفعل، العديد من اعضاء تلك الهيئة طلبوا عدم وضع تلك الامكانيّة، خوفاً من إضعاف حيوية بعض الكنائس الشّرقية بالاخص المتواجدة في الغرب. حسب رأيهم، انّ العديد من الشّبان المنتمين إلى الكنائس الشّرقية الكاثوليكية يهاجرون، ويسافرون للعمل في الغرب. واحتمال زواجهم من بنات تنتمين إلى الكنيسة اللاتينية في الغرب كبير، و هذا الاستثناء قد يجعل العديد من هؤلاء الشّبان ينمّون اولادهم في الكنيسة اللاتينية ويتركون كنيستهم الاصلية، ومن هنا ينبع إضعاف حيوية تلك الكنائس وافقارها من المؤمنين. من ناحية اخرى كان من الصّعب نفي هذا الحق للوالدين: ان ينمّوا اولادهما في الكنيسة التي تنتمي اليها الأم الكاثوليكية بالاتفاق المشترك، لانّه يُعتبر تخطٍ لحقوقهما وحريتهما ونفياً لمساواة الزوجة الكاثوليكية بزوجها الكاثوليكي.

للرّد على هذه الصّعوبة، الهيئة نفسها وضعت هذا الشّرط: ” مع الحفاظ على الشّرع الخاص الذي يقرره الكرسي الرّسولي”. بهذا الشّرط وعندما يتضح للكرسي الرّسولي هذا الخطر، اي بالفعل ان  تلك الامكانية اوالاستثناء يعمل على افقار بعض او احدى الكنائس الكاثوليكية الشّرقية من مؤمنيها المقيمين في الغرب، فله هو وحده، اي الكرسي الرّسولي، ان يشرّع شرعاً خاصاً لتلك الكنيسة ليحدّ من هذا الخطر. بهذه الطّريقة يساعد الكرسي الرّسولي على مواجهة هذا الخطر والتّنسيق في ما بين الكنائس الكاثوليكية.

– في ما  يختصّ بالشخص الذي اتمّ الرّابعة عشر من عمره، القانون 30 ينصّ على: ” من يقبل المعمودية، وقد اتم الرّابعة عشر من عمره، يمكنه ان يختار بحريّة اي كنيسة ذات حقّ خاصّ، فينتسب اليها بالمعمودية التي قبلها فيها، مع الحفاظ على الشّرع الخاص الذي يقررهُ الكرسي الرّسولي”.

القانون يحدد ان الشّخص الذي اتمَّ الرابعة عشر من عمره له مطلق الحرية ان يختار الكنيسة ذات الحقّ الخاصّ التي سينتمي اليها عند قبوله المعمودية فيها. هذا القانون وكما كان في القانون 29 بند 1 اثار العديد من اعتراضات اعضاء هيئة التّشريع لنفس المخاوف السّابقة؛ اي انّ ابناء الشّرقيين المقيمين في الغرب والذين لم يعمّدوا صغارا،ً قد يتأثرون بسهولة، ويرغبون في الالتحاق بالكنيسة الاكثر عدداً وتواجداً في المنطقة التي يحيون فيها، فيتركون كنيسة ابائهم الشّرقية. ولكن من النّاحية الاخرى لم يستطع التّشريع نفي حرية هؤلاء الاشخاص في اختيارهم الكنيسة التي سينتمون اليها بالمعمودية. لذا تمّ المحافظة على هذا الشّرط: ” مع الحفاظ على الشّرع الخاص الذي يقررهُ الكرسي الرّسولي” ليعطي الامكانية للكرسي الرّسولي بالتّدخل في بعض الحالات لمنع ذلك الخطر.

حتى الآن نلاحظ ان امكانية واحتمال تدخل الكرسي الرّسولي فى انتماء الاشخاص لكنيسة ذات حقّ خاصّ هي لمصلحة تلك الكنائس الشّرقية
الكاثوليكية، بالاخص في المناطق والاماكن المهددة فيها بالانقراض او الافتقار إلى المؤمنين.

– القانون 32 الذي يحدد امكانية الانتقال من كنيسة ذات حق خاص لاخرى ينص في البند 1 على ان:” لا يستطيع احد، بدون موافقة الكرسي الرّسولي، الانتقال على وجه صحيح الى كنيسة ذات حق خاص أُخرى”. اي انّه كي يستطيع شخص الانتقال من كنيسة ذات حق خاص لاخرى يجب اولا ان ينال موافقة الكرسي الرّسولي.

هذا الشّرط كان بالفعل متواجداً في التشريع القديم[3]، ويرتكز ايضاً على تعليم المجمع الفاتيكاني الثّاني[4]. فهو يساعد مؤمني الكنائس الشّرقية على الحفاظ على طقوسهم وكنائسهم ذات الحق الخاص. فالكرسي الرّسولي، والذي هو الضّامن والفاصل الاعلى في علاقات مختلف الطّقوس والكنائس الشّرقية الكاثوليكية، هو الوحيد الذي له الحق في تنسيق هذه الانتقالات.

أما اذا كان الامر يتعلق بمؤمن يطلب الانتقال لكنيسة ذات حق خاص اخرى في نفس ايبارشيته فهذه الموافقة الخاصة بالكرسي الرّسولي تتم بشرط ان يرضى اسقفا الابرشيتين كتابة بالانتقال (ق 32 بند 2)، اي انّه في هذه الحالة يُفترض موافقة الكرسي الرّسولي، ولا داعٍ لطلبها. وهنا يظهر معنى تدخل الكرسي الرّسولي في الحالة الاولى وهو لحد ومنع نزيف مؤمني الكنائس الشّرقية، الذين يتركون اوطانهم ويقيمون بمناطق اخرى، وانتقالهم للكنيسة المحلية التي يتواجدون في منطقتها الآن.

– في ما يختصّ  بالمعمدين الغير كاثوليك، الدّاخلين في كمال الشّركة مع الكنيسة الكاثوليكية، يجب ان ينتسبوا الى الكنيسة ذات الحق الخاص والطّقس نفسه الذي كانوا ينتمون اليه من قبل، مع الحفاظ على حق الرّجوع إلى الكرسي الرّسولي في حالات خاصة (ق 35). هذه القاعدة ترتكز على تعليم المجمع الفاتيكاني الثّاني، والذي يشجع على الحفاظ ومراعاة الطّقوس الشّرقية من طرف ابنائها. وفي نفس الوقت هذه القاعدة تغيّر من التّشريع السّابق والذي كان يترك مطلق الحريّة للمعمدين غير الكاثوليك، الدّاخلين في كمال الشّركة مع الكنيسة الكاثوليكية، لانتسابهم لاية كنيسة ذات حقّ خاصّ يختارونها[5]. يبقى حقّ هؤلاء الاشخاص بالرّجوع إلى الكرسي الرّسولي في الحالات الخاصة والتي قد تعوقهم على سبيل المثال من الانتساب إلى الكنيسة ذات الحق الخاص للطّقس نفسه.

– مجموعة قوانين الكنائس الشّرقية، اضافة إلى ما سبق، تحدّد انّه لا يجوز أن يقبل احد للابتداء في دير متوحدين خاص بكنيسة ذات حقّ خاصّ، بدون موافقة الكرسي الرّسولي، ما لم يتعلق الامر بمرشح مهيّإٍ لدير متوحدين تابع له ومن كنيسته (ق 451، 517 بند 2، 559 بند 1).

في هذه المقالة حاولنا عرض كل الحالات التي يمكن للكرسي الرّسولي التّدخل فيها بما يختصّ بالانتماء إلى كنيسة ذات حقّ خاصّ ومعنى هذا التّدخل وهدفه. نستطيع ان نستنتج مما سبق ان تدخلات الكرسي الرّسولي الممكنة تهدف إلى حماية الطّقوس الشّرقية وتشجيع مؤمنيها للحفاظ عليها. 

Share this Entry

 بيوس الثاني عشر، ارادة رسولية ” في الطقوس الشرقية وفي الاشخاص”، المطبعة البولسية، 1958، قانون 6.[1]  

[2] Cfr. Nunzia 22 (1986), 24.

 بيوس الثاني عشر، ارادة رسولية ” في الطقوس الشرقية وفي الاشخاص”، المطبعة البولسية، 1958، قانون 13. [3]

 الكنائس الشرقية 4.[4]

 بيوس الثاني عشر، ارادة رسولية ” في الطقوس الشرقية وفي الاشخاص”، المطبعة البولسية، 1958، قانون 11. [5]

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير