رسالة مخصصة للمهاجرين واللاجئين القاصرين
روما، الاثنين 30 نوفمبر 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي الرسالة التي كتبها بندكتس السادس عشر بتاريخ 16 أكتوبر، لليوم العالمي السادس والتسعين للمهاجر واللاجئ الذي يحتفل به في 17 يناير 2010.
***
إخوتي وأخواتي الأعزاء،
يتيح لي الاحتفال باليوم العالمي للمهاجر واللاجئ فرصة جديدة لإظهار الرعاية الدائمة التي تنميها الكنيسة تجاه الأشخاص الذين يعيشون تجربة الهجرة بطرق مختلفة. إنها ظاهرة مؤثرة كما وصفتها في الرسالة العامة “المحبة في الحقيقة”، نظراً إلى عدد المعنيين بها، والإشكاليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية التي تثيرها، والتحديات الخطيرة التي تفرضها على الجماعات الوطنية وعلى الأسرة الدولية. إن المهاجر إنسان يتمتع بحقوق أساسية غير قابلة للتصرف وجديرة باحترام الجميع لها (رقم 62). يلامس شعار هذه السنة “المهاجرون واللاجئون القاصرون” جانباً ينظر إليه المسيحيون باهتمام شديد، بتذكر ما قاله المسيح الذي سيدين يوم الحساب كل ما صنع أو لم يصنع “لأحد إخوتي هؤلاء الصغار” أي له (مت 25: 40، 45). وكيف لا نهتم أيضاً بالمهاجرين واللاجئين القاصرين من بين “هؤلاء الصغار”؟ لقد عاش يسوع بنفسه تجربة المهاجر عندما كان طفلاً لأنه اضطر إلى اللجوء إلى مصر مع يوسف ومريم هرباً من تهديدات هيرودس، حسبما يقول الإنجيل (مت 2، 14).
إن كانت اتفاقية حقوق الطفل تنص بوضوح على ضرورة حماية مصلحة القاصر (المادة 3) الذي يجب الاعتراف بحقوقه الأساسية المتساوية مع حقوق الراشدين، فإن الواقع غالباً ما يظهر مع الأسف صورة مغايرة لذلك. ففيما يتزايد وعي الرأي العام للحاجة إلى تحرك دقيق وقاطع لحماية القاصرين، يتعرض عدد كبير منهم للإهمال والاستغلال بطرق مختلفة. لقد ترجم سلفي الحبيب يوحنا بولس الثاني الوضع المأساوي الذي يعيشون في ظله في الرسالة الموجهة في 22 سبتمبر 1990 إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بمناسبة القمة العالمية للأطفال. وكتب: “إنني شاهد على الوضع المقلق الذي يعيشه ملايين الأطفال في كل القارات. إنهم ضعفاء جداً لأنهم الأقل قدرة على إسماع أصواتهم” (التعليم الثالث عشر، 1990، ص. 672). أتمنى من كل قلبي أن يحظى المهاجرون القاصرون بالاهتمام العادل لأنهم بحاجة إلى بيئة اجتماعية تسمح بنموهم الجسدي والثقافي والروحي والأخلاقي. فالعيش في بلاد أجنبية من دون مراجع فعلية لهم يسبب لهم مشاكل ومصاعب خطيرة، بخاصة للأشخاص المحرومين من الدعم العائلي.
إن أحد الجوانب الخاصة بهجرة القاصرين يتجسد في وضع الشباب الذين ولدوا في البلاد المضيفة، أو وضع الأطفال الذين لا يعيشون مع أهلهم المهاجرين بعد ولادتهم بل ينضمون إليهم في وقت لاحق. هؤلاء المراهقون ينتمون إلى ثقافتين، مما يظهر فوائد وإشكاليات مرتبطة بانتمائهم المزدوج، الظرف الذي يسمح بالمقابل بإمكانية اختبار غنى اللقاء بين مختلف التقاليد الثقافية. من المهم أن تتاح لهم فرصة ارتياد المدرسة والاندماج لاحقاً في عالم العمل، وأن تسهّل عملية اندماجهم الاجتماعي بفضل بنى تربوية واجتماعية مناسبة. ويجب ألا ننسى أبداً أن المراهقة تعتبر مرحلة أساسية في تكوّن الإنسان.
أما الفئة الخاصة من القاصرين فهي فئة اللاجئين الذين يطلبون اللجوء هرباً من بلادهم التي لا يلقون فيها الحماية الملائمة. وتكشف الاحصائيات تزايد أعدادهم. إنها ظاهرة لا بد من دراستها بدقة ومواجهتها من خلال أعمال متناسقة، وتدابير مناسبة للوقاية والحماية والترحيب، حسبما تنص أيضاً اتفاقية حقوق الطفل عينها (المادة 22).
أتوجه الآن بخاصة إلى الرعايا والجمعيات الكاثوليكية العديدة التي تبذل جهوداً كبيرة بهدي روح الإيمان والمحبة لتلبية احتياجات إخوتنا وأخواتنا. إني إذ أعبر عن امتناني للأعمال المنجزة بسخاء عظيم، أدعو المسيحيين إلى إدراك التحدي الاجتماعي والرعوي المتمثل في وضع المهاجرين واللاجئين القاصرين. في قلبنا تخفق مجدداً كلمات يسوع: “كنت غريباً فآويتموني” (مت 25، 35)، والوصية العظمى التي تركها لنا: أن نحب الله إلهنا بكل قلبنا وكل نفسنا وكل فكرنا، وأن نحب قريبنا كنفسنا (مت 22: 37، 39). هذا ما يحثنا على التفكير بضرورة اقتيات تدخلاتنا الملموسة من الإيمان في عمل النعمة والعناية الإلهية. هكذا، يصبح التضامن مع الغرباء، وبخاصة الأطفال منهم، إعلان إنجيل التضامن. هذا الإعلان تقوم به الكنيسة عندما تفتح ذراعيها وتسعى من أجل أن تحظى حقوق المهاجرين واللاجئين بالاحترام، من خلال تشجيع المسؤولين في الأمم والمنظمات والمؤسسات الدولية على تعزيز مبادرات لصالحها. فلتشمل الطوباوية مريم العذراء الجميع بعنايتها الوالدية ولتساعدنا على فهم مصاعب الأشخاص البعيدين عن أوطانهم. أؤكد على صلاتي لجميع الملتزمين بعالم المهاجرين واللاجئين، وأمنحهم بركتي الرسولية.
من الفاتيكان، في 16 أكتوبر 2009
البابا بندكتس السادس عشر
ترجمة وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009