"حقاً أنه من الممكن تقديم كل شيء للمسيح"
حاضرة الفاتيكان، الأربعاء 25 نوفمبر 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي الرسالة التي وجهها رئيس الأساقفة ماورو بياتشينزا، أمين عام مجمع الإكليروس، إلى الكهنة بتاريخ 18 نوفمبر الجاري حول نذر الطاعة.
***
"هل تتعهدون بالاحترام والطاعة البنويين لي ولخلفائي؟"
إخوتي الأعزاء في الكهنوت،
حتى ولو أن الكهنة ليسوا ملزمين بنذر الطاعة، إلا أنهم يعلنون "عهداً" بـ "الاحترام والطاعة البنويين" لأسقفهم وخلفائه. وإن كانت المكانة اللاهوتية للنذر والعهد مختلفة، فإن التعهد الشامل والنهائي متطابق، وتقديم مشيئة الواحد لمشيئة الآخر: للمشيئة الإلهية التي تتحقق من خلال الكنيسة، متطابق بدوره.
في هذا الزمن الحالي المتسم بالنسبية والنزعة الديمقراطية المتطرفة، وبمختلف أشكال الفردانية والفسق، يبدو عهد الطاعة غير مفهوم للذهنية السائدة. وكثيراً ما يفهم كانتقاص من الكرامة والحرية الإنسانية، كمثابرة بأشكال مهملة خاصة بمجتمع غير قادر على التحرر الحقيقي.
نحن الذين نعيش الطاعة الحقيقية نعلم أن هذا التفكير خاطئ. فالطاعة في الكنيسة لا تتناقض أبداً مع كرامة الإنسان وحريته، ويجب ألا تفهم كإهمال المسؤوليات أو كاستسلام. يستخدم الطقس صفة أساسية للفهم الصحيح لعهد مماثل؛ فيحدد الطاعة بعد ذكر "الاحترام"، وذلك مع صفة "البنوي".
إن مصطلح "البنوة" اسم نسبوي في كل لغة يتضمن تحديداً العلاقة بين أب وابنه. في هذا السياق تحديداً، يجب أن تفهم الطاعة التي تعهدنا بها. إنه سياق يدعى فيه الأب إلى أن يكون أباً بحق، والابن إلى إدراك بنوته وجمال الأبوة التي أعطيت له. في قانون الطبيعة، ما من أحد يختار أباه، وما من أحد يختار أبناءه. لذلك نحن الآباء والأبناء مدعوون جميعاً إلى النظر إلى بعضنا البعض نظرة خارقة، نظرة مفعمة بالحِلم والاحترام المتبادلين، أي القدرة على النظر إلى الآخر من خلال التفكير دوماً بالمعلم الصالح الذي خلقه والذي يبدله دوماً. إن تعريف الاحترام هو التالي: النظر إلى شخص مع التفكير في آخر!
فقط في سياق "الاحترام البنوي"، تصبح الطاعة ممكنة، الطاعة التي ليست فقط شكلية، ومجرد تنفيذ أوامر، وإنما الطاعة المتقدة، التامة، والمتنبهة القادرة على حمل ثمار الاهتداء و"الحياة الجديدة" في من يعيشها.
إن العهد يصبح خاصاً بالأسقف وخلفائه عند السيامة، لأن الكنيسة تبتعد عن الفردانية المفرطة: إنها تحب الإنسان، وليس النزعة الذاتية التي تنتقص من القدرة والجمال التاريخيين واللاهوتيين اللذين يميزان مؤسسة الطاعة. يسكن الروح في هذه المؤسسة أيضاً لأن جذورها إلهية. إن المؤسسة لدنية بطبيعتها، والارتباط بها في الزمن (الخلفاء) يعني "البقاء في الحق"، والمثابرة فيه، والعمل في جسده الحي، الكنيسة، في جمال استمرار الأزمنة والعصور، الذي يجمعنا دوماً بالمسيح ورسله.
دعونا نسأل أمة الرب المطيعة التي أنشدت "فليكن لي بحسب قولك"، أن تمنحنا نعمة الطاعة التامة والفرحة والمستعدة؛ الطاعة التي تحررنا من كوننا أنصار ذواتنا وتظهر للعالم أنه من الممكن تقديم كل شيء للمسيح والتحول إلى رجال واقعيين وحقيقيين.
ماورو بياتشينزا
رئيس أساقفة فيتوريانا
أمين عام مجمع الإكليروس
من الفاتيكان، في 18 نوفمبر 2009
ترجمة وكالة زينيت العالمية