بقلم الخوري رولان معربس

القبيات، الجمعة 13 نوفمبر  2009 (Zenit.org). – نقدم نص إنجيل قداس الأحد بحسب الطقس الأنطاكي السرياني الماروني مع تعليق مقتبس من "نشرة الأحد" - موقع القبيات الإلكتروني.

* * *

الإنجيل

 

              1بِمَا أَنَّ كثيرينَ أَخَذُوا يُرَتِّبونَ رِوَايةً لِلأَحْدَاثِ الَّتي تَمَّتْ عِنْدَنا،

              2كَمَا سَلَّمَها إِلَيْنَا مَنْ كَانُوا مُنْذُ البَدْءِ شُهُودَ عِيَانٍ لِلْكَلِمَة، ثُمَّ صَارُوا خُدَّامًا لَهَا،

              3رَأَيْتُ أَنا أَيْضًا، أَيُّهَا الشَّرِيفُ تِيُوفِيل، أَنْ أَكْتُبَها لَكَ بِحَسَبِ تَرْتِيِبهَا، بَعْدَما تَتَبَّعْتُهَا كُلَّها، مُنْذُ بِدَايَتِهَا، تَتَبُّعًا دَقيقًا،

              4لِكَي تَتَيَقَّنَ صِحَّةَ الكَلامِ الَّذي وُعِظْتَ بِهِ.

              5كَانَ في أَيَّامِ هِيرُودُس، مَلِكِ اليَهُودِيَّة، كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا، مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، لهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ هَارُونَ اسْمُها إِليصَابَات.

              6وكَانَا كِلاهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ الله، سَالِكَيْنِ في جَمِيعِ وصَايَا الرَّبِّ وأَحْكَامِه بِلا لَوْم.

              7ومَا كَانَ لَهُمَا وَلَد، لأَنَّ إِليصَابَاتَ كَانَتْ عَاقِرًا، وكَانَا كِلاهُمَا قَدْ طَعَنَا في أَيَّامِهِمَا.

              8وفِيمَا كَانَ زَكَرِيَّا يَقُومُ بِالـخِدْمَةِ الكَهَنُوتِيَّةِ أَمَامَ الله، في أَثْنَاءِ نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ،

              9أَصَابَتْهُ القُرْعَة، بِحَسَبِ عَادَةِ الكَهَنُوت، لِيَدْخُلَ مَقْدِسَ هَيْكَلِ الرَّبِّ ويُحْرِقَ البَخُور.

          10وكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ الشَّعْبِ يُصَلِّي في الـخَارِج، في أَثْنَاءِ إِحْرَاقِ البَخُور.

          11وَتَراءَى مَلاكُ الرَّبِّ  لِزَكَرِيَّا وَاقِفًا مِنْ عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ البَخُور،

          12فَاضْطَرَبَ زَكَرِيَّا حِينَ رَآه، واسْتَولَى عَلَيْهِ الـخَوف.

          13فقَالَ لهُ الـمَلاك: "لا تَخَفْ، يَا زَكَرِيَّا، فَقَدِ اسْتُجيبَتْ طِلْبَتُكَ، وَامْرَأَتُكَ إِلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا، فَسَمِّهِ يُوحَنَّا.

          14ويَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاج، ويَفْرَحُ بِمَوْلِدِهِ كَثِيرُون،

          15لأَنَّهُ سَيَكُونُ عَظِيمًا في نَظَرِ الرَّبّ، لا يَشْرَبُ خَمْرًا ولا مُسْكِرًا، وَيَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ وَهُوَ بَعْدُ في حَشَا أُمِّهِ.

          16ويَرُدُّ كَثِيرينَ مِنْ بَني  إِسْرَائِيلَ إِلى الرَّبِّ إِلـهِهِم..

          17ويَسيرُ أَمَامَ الرَّبِّ بِرُوحِ إِيلِيَّا وقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلى الأَبْنَاء، والعُصَاةَ إِلى حِكْمَةِ الأَبْرَار، فيُهيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُعَدًّا خَيْرَ إِعْدَاد".

          18فقَالَ زَكَرِيَّا لِلْمَلاك: "بِمَاذَا أَعْرِفُ هـذَا؟ فإِنِّي أَنَا شَيْخٌ، وامْرَأَتي قَدْ طَعَنَتْ في أَيَّامِهَا!".

          19فأَجَابَ الـمَلاكُ وقالَ لهُ: "أَنَا هُوَ جِبْرَائِيلُ الوَاقِفُ في حَضْرَةِ الله، وقَدْ أُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ وأُبَشِّرَكَ بِهـذَا.

          20وهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتًا، لا تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّم، حَتَّى اليَوْمِ الَّذي يَحْدُثُ فِيهِ ذـلِكَ، لأَنَّكَ لَمْ تُؤْمِنْ بِكَلامِي الَّذي سَيَتِمُّ في أَوَانِهِ".

          21وكَانَ الشَّعْبُ يَنْتَظرُ زَكَرِيَّا، ويَتَعَجَّبُ مِنْ إِبْطَائِهِ في مَقْدِسِ الـهَيْكَل.

          22ولَمَّا خَرَجَ زَكَريَّا، لَمْ يَكُنْ قَادِرًا أَنْ يُكَلِّمَهُم، فأَدْرَكُوا أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا في الـمَقْدِس، وكَانَ  يُشيرُ إِلَيْهِم بِالإِشَارَة، وبَقِيَ أَبْكَم.

          23ولَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ خِدْمَتِهِ، مَضَى إِلى بَيْتِهِ.

          24وبَعْدَ تِلْكَ الأَيَّام، حَمَلَتِ امْرَأَتُهُ إِلِيصَابَات، وكَتمَتْ أَمْرَهَا خَمْسَةَ أَشْهُر، وهِيَ تَقُول:

          25"هـكَذا صَنعَ الرَّبُّ إِليَّ، في الأَيَّامِ الَّتي نَظَرَ إِليَّ فِيهَا، لِيُزيلَ العَارَ عَنِّي مِنْ بَيْنِ النَّاس!".

) لو 1 1-25(

 

تأمّل من وحي الإنجيل

بعد أن دخلت الكنيسة في مسيرة التقديس والتجديد، ها هي تدخل في عالم البشارات، الخبر المفرح بدأ يظهر مع من هو السابق ليسوع أي يوحنا .

هذه البشارة الأولى التي ستهيؤنا إلى البشارة العظمى. لقد بدأ وعد الله يتحقق، إنه زمن الإنتظار.

إن بشارة زكريا تُحضِّر بطريقة مباشرة لبشارة مريم. فلا يمكن فهم أهميتها إلا بارتباطها الوثيق بالبشارة بيسوع. بشارة زكريا يمكن اعتبارها بشارة صغيرة في خدمة البشارة الكبرى. فهي في مضمونها تختصر مفاجآت الله للبشر في العهد القديم، كما حدث مع ابراهيم، وتضعنا في جو المفاجأة الكبرى، البشارة بالمخلِّص. هكذا مع زكريّا لانتوقف فقط عند البشارة بيوحنا بل أيضاً عند كل الوعود التي كانت للعهد القديم وبخاصة عند الوعد الأول لإبراهيم. من هنا نفهم أهمية ما يقوله لنا الرسول بولس. فا براهيم أصبح لنا أباً بالإيمان، ليس لأننا ننتمي الى ذرّيته بالجسد، بل لأننا مدعوون لنؤمن بالله على مثال إيمانه هو. إذاً بشارة زكريا هي بالنسبة لنا حدث خلاصي يدعونا اليوم الى تجديد ايماننا وعدم الشك بقدرة الله .

إن زكريا الذي نظر الى ضعف الطبيعة البشرية وعقر زوجته، جعله عاجزاً عن النظر الى قدرة الله وقوَّة كلمته، فوقع في الشك. لقد شكّ الكاهن معتبراً كلام الملاك كلاماً بشرياً، دون أن يترك للإيمان في قلبه مجالاً فعليّاً. وهو الكاهن  البار والخبير بالكتب الإلهية. إن برَّ زكريا توقف عند الممارسات والشعائر التقوية ولم يصِل الى عمق الإيمان الذي يطال الكيان البشري في الصميم. أنّ برَّ زكريا لم يكن كافياً لإستقبال الأحداث الإلهية، ولا يفتح قلب الإنسان على عمل الله وقدرته. لذلك أعطى الله لزكريا، من خلال ملاكه، فرصةً من الصمت لكي يفتح قلبه الى الآية.

هذا ما كان ينقص زكريا وينقص الكثيرين من الناس الذين يتوهَّمون أنهم مؤمنون لأنهم يمارسون الطقوس والشعائر الدينية... كلّ هذه الأمور ليست إلا طرقاً ووسائل لتغذية الإيمان والتعبير عنه.

إن ما كان يحتاجه زكريا ونحتاجه نحن اليوم هو ذرّةٌ من الإيمان. لأن بالإيمان يتحرر الإنسان ليدخل في شراكة مع الله عندها يصبح كل شيء في الحياة مجالاً لتعميق خبرة الإيمان ولإكتشاف وجه الله المحب والمعزّي.

وهنا نسأل أنفسنا:

·         هل نؤمن بقدرة الله وما يريده لنا أم نؤمن بقدرة الآخرين وما يريدوه لنا؟

·         هل تؤمن بوعد الله الذي حققه لك، أم تؤمن بوعود الناس التي هي في الغالب وعود كاذبة؟

·         هل تثق بالله أم لديك إلهٌ آخر تثق به...؟

·         هل تؤمن بأنك مع يسوع الحي ، قادر على أن تغيِّر واقعك: من واقع الموت الى واقع الحياة ؟

كلها أسئلة مطروحة على ضمير كل واحد منّا.

ويبقى أن نطلب من الله في هذا الأحد المبارك أن يلبسنا ثوب الإيمان، ويُغّطينا بغطاء البرارة، ويعطينا نعمة الصمت  بها نغوص الى عمق القلب فنسمعه يتكلم فينـــــا. آمين.

 

سينودس اساقفة الشّرق الاوسط بين الشّركة والشّهادة (4)

مفهوم الاسبقية (الاولوية) حسب مجموعة قوانين الكنائس الشّرقية

 

بقلم هاني باخوم، نائب مدير اكليريكية ام الفادي في لبنان

 

روما، الأربعاء 11 نوفمبر 2009 (Zenit.org)- استعرضنا في المقالات السّابقة بطريقة سريعة ومختصرة، مفهوم الكنائس الشّرقية وهويتها ومعنى الطّقس، وايضاً فئات الكنائس الشّرقية الكاثوليكية ذات الحق الخاص. كلّ ما سبق من مقالات ما هو الا مقدمة عامة ومبسّطة كي نبدأ باستعراض بعض المسائل التي تشير الى شركة تلك الكنائس في ما بينها ومع الكرسي الرّسولي.

المسألة الأولى التي نريد استعراضها، هي مفهوم الاسبقية (الاولوية) حسب مجموعة قوانين الكنائس الشّرقية. بمعنىً اخر، ما هو التّعليم القانوني والعقائدي الذي يقدمه الشّرع العام (مجموعة قوانين الكنائس الشرقية) ليصف تلك الاسبقية ومن الذي يتمتع بها تجاه الكنائس ذات الحق الخاص بكل فئاتها.

مجموعة قوانين الكنائس الشّرقية، تذكر وتشير في العديد من  قوانينها الى الكنيسة الجامعة والكنيسة الخاصة، والى الكنائس ذات الحق الخاص. فهي تصف وتعرّف الكنيسة الخاصة، اي الايبارشية، وتحدد عناصرها الاساسية  (ق 177 بند 1) وبنفس الطّريقة، كما رأينا في المقالة الاولى، تُحدِّد هوية الكنيسة ذات الحق الخاص (ق 27). لكن بما يختص بالكنيسة الجامعة، حتّى وان كانت تذكرها في العديد من القوانين، الا انّها لا تنص اي قانون لتحديد هويتها او تعريفها[1]. نستطيع بالرغم من ذلك، ان نستنتج من القوانين الاخرى، عندما تعرّف الكنائس الخاصة وتلك ذات الحق الخاص، ان الكنيسة الجامعة، بالنسبة لمجموعة قوانين الكنائس الشّرقية، هي الشّركة في ما بين تلك الكنائس ومع الحبر الرّوماني؛ شركة هرمية (يطلق عليها ايضاً شركة تراتبية اوتسلسلية اوهيراركية) والتي تربط جميع السّلطات الكنسية ببعضها البعض وبالحبر الروماني. وايضاً شركة المقدسات النابعة من نفس الايمان ونفس الاسرار المقدسة[2]. الحبر الرّوماني يتمتع شخصياً بسلطان السّلطة العليا على هذه الكنيسة الجامعة (ق 43 – 45).

بنفس الطّريقة هذه السّلطة العليا تتمتع بها هيئة الاساقفة متّحدة مع رئيسها الحبر الرّوماني اثناء انعقاد المجمع المسكوني (ق 50 بند 1)، او عندما يكونون منتشرين في العالم ويقومون بعمل واحد، يعبر عن وحدتهم المجمعية، بشرط ان يكون هذا العمل موعزاً من الحبر الرّوماني، او يقبله لاعتباره نابعاً من نفس الوحدة المجمعية (ق 50 بند 2).

المقصود اذا بـ”الاسبقية” في مجموع الكنائس الشّرقية هي الّسلطة العليا والتي يتمتع بها الحبر الرّوماني تجاه الكنيسة الجامعة وكل الايبارشيات والكنائس ذات الحق الخاص (ق 45 بند 1).

القانون 43 يحدد جوهر وطبيعة تلك الاسبقية (السّلطة العليا) التي يتمتع بها اسقف روما ويصفها بانها:

– سلطة عادية او مألوفة: اي تنبع من وظيفته في حد ذاتها فلا يُنعم بها احد عليه. البابا عندما يقبل الانتخاب، وبرسامته الاسقفية ان لم يكن بالفعل اسقفاً، يحصل على تلك السّلطة من نفس المهمة التي قبلها وليس من اي شخص؛

– سلطة عليا: اي ان سلطة الحبر الرّوماني هي اعلى سلطة في الكنيسة. فلا يستطيع احد داخل الكنيسة محاكمته (ق 1058)، ولا يمكن الاعتراض على حكمه أو قراره (ق 45 بند 3).

– سلطة كاملة: فقد حصل من المسيح على كامل السّلطة كي يقوم بمهمته تجاه الشّعب المسيحي وخلاصه فلا ينقصه شيء كي يتمّم تلك المهمة. تلك السّلطة تتجلى في كامل سلطته في التّعليم، الحكم والتقديس؛

– سلطة مباشرة: اي انه يمارس سلطته على كل الكنيسة والمؤسسات والاشخاص بدون وسيط؛

– سلطة جامعة: اي انها سلطة تمتد على الكنيسة الجامعة باكملها وعلى الكنائس الخاصة وايضاً تلك ذات الحق الخاص والمؤسسات وعلى جميع المؤمنين؛

– يمارسها بحرية: اي ان مصدر تلك السّلطة وممارستها لا يعتمد على احد او اي شخص، فله ان يمارسها بكل استقلالية.

مجموعة قوانين الكنائس الشّرقية في القانون 48 توضح ان عبارتيّ الكرسي الرّسولي او الكرسي المقدس يُقصد بهما اما الحبر الرّوماني شخصياً او دواوين الكوريا الرّومانية ومؤسستها ومراكزها الى ان يذكر في الشّرع او يتبين من طبيعة الشّيء غير ذلك.

تتوقف تلك السّلطة للحبر الروماني بتوقف وظيفته وهذا يكون في احد الحالات التّالية: موت؛ جنون اكيد ودائم؛ جحد للايمان او هرطقة او انفصال عن الكنيسة بطريقة واضحة؛ تخلٍ حر عن وظيفته.

تلك هي خصائص اسبقية او سلطة الحبر الرّوماني حسب القانون الشّرقي. هذه السّلطة  تسمح للحبر الرّوماني، نائب المسيح على الارض، ان يقوم بدوره كأساس ومبدإٍ دائم ومرئي لوحدة الايمان والشّركة بين كل الكنيسة الجامعة. مجموعة القوانين الشّرقية تعبر عن طرق ممارسة تلك السّلطة تجاه الفئات المختلفة للكنائس ذات الحق الخاص وهذا ما سنراه في المرّة القادمة.