الفاتيكان، الأربعاء 13 أكتوبر 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي كلمة الاباتي سمعان أبو عبدو الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية في سينودس الأساقفة، الجمعية الخاصة من أجل الشرق الاوسط، والتي تلاها صباح الثلاثاء 12 أكتوبر 2010.

* * *

أصحاب النيافة والسيادة،

الآباء الأجلاّء والأخَوات الراهِبات،

إخوَتي الأحِبّاء،

القسم الاول: الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الاوسط

الهجرة، عدد: 43-48

يَدعُونا مَوضوعُ هذا السينودس، «الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة. "وكان جماعةُ المؤمنينَ قلباً واحداً وروحاً واحدةً" (أعمال 4/32)»، إلى أخذِ المُبادرة لعَيش الرجاء في هذا الشرق وإلى الوَعي أكثَر لِدَورِنا وشهادَتِنا، ومعرفة التحدِّيات التي تعترضُنا. إنَّ أحَدَ أهدافِ هذه الجَمعِيَّة الخاصَّة تثبِيتُ وتقوِيَةُ تَجَذُّرِ المسيحيّ المَشرِقِيّ في هوِيَّتِه عَبرَ كلمة الله والأسرار المقدَّسة والشهادة الحَقَّة، الفَرِحَة والجَذّابَة.

انطِلاقاً مِن ورقة العَمَل الخاصَّة بالسينودس (Instrumentem Laboris)، أوَدُّ التطَرُّقَ إلى القسم الأول الذي يتناول "الهُجرة" في الأرقام 43-48.

بِدايَةً، يوضِحُ النصُّ أنَّ أسبابَ الهُجرة التي بدَأت بُعَيدَ نهايَةِ القَرنِ التاسِع عَشَر، تُختَصَر في اثنَين: السياسة والاقتصاد، ويتفرَّع مِنها الحالَةُ الأمنِيَّة بشكلٍ خاصٍّ وعدَمُ الاستِقرار، ثمَّ ينعَكِس هذا على الناحِيَة الاجتِماعِيَّة. إنَّ تزايُدَ الهجرةِ اليومَ يتَسَبَّب به الصراعُ الفلسطينيّ - الإسرائيليّ في الأراضي المُقَدَّسَة، والوَضعُ الاجتماعيُّ المُهَدِّد في العراق، وعَدَمُ الاستقرارِ السياسِيِّ في لبنان (عدد 43)، وأيضاً السياساتُ المُتَّبَعَة في أغلَبِ البُلدانِ الشرق أوسَطِيَّة التي تتجاهَلُ الحُضورَ المسيحِيّ ( بِحَيثُ يُعتَبَرُ المسيحيُّ إمّا مِن أهلِ الذِّمَّة، وإمّا مِنَ الفِئَةِ الثانِيَة). كُلُّ ذَلكَ يُؤَدِّي إلى أن يَكونَ هذا الحُضورُ ضَحِيِّةً، فنَصِلُ إلى عَدَمِ تكافؤٍ في الفُرَص والحُقوق. ومِن بَينِ الأسباب الهامَّة لهُجرَةِ المسيحِيِّين تَقييدُ الحرِّيَّة الثقافِيَّة والدينِيَّة.

-هُنا يُفتَرَضُ بِنا طَرحُ السؤالِ حَولَ ماهِيَّةِ الحُلولِ التي يَجِبُ أن نَسعى إلَيها أو نطالِبَ بِها المَسؤولِين، بِخاصَّةٍ المَسيحيِّينَ مِنهُم، والسياسيِّينَ على كافَّةِ الأصعِدَة.

الجَوابُ يَكمُنُ في العَمَلِ لإحلالِ السلام والديمُقراطِيَّة، وفي التركيزِ على المُواطِنِيَّة بِما تفتَرِضُه مِن واجِباتٍ وتَكفَلُه مِن حُقوق.

كَما أنَّ عَلَينا تَشجيعُ المَسيحِيِّين عَلى الانخِراطِ في الحَياةِ العامَّةِ والسياسِيَّةِ في كُلِّ مَكانٍ وزَمان، وعلى عَدَمِ الانعِزالِ والتراجُع، بِتَشديدِنا على فِكرَة "النوْعِيَّة" ولَيسَ فقط على "الكَمِّيَّة"؛ "كالخَميرِ في العَجِين".

بالإضافَةِ إلى ذلك، يَجدُرُ بِنا إدراكُ أهَمِّيَّةِ الدعمِ مِن الكنائِس المحلِّيَّة في الغَرب، فعَلى هذه الأخيرَة حَثُّ حُكوماتِ بِلادِها على اتِّباعِ سِياساتٍ كَفِيلةٍ بالمُساهَمَة في تَنمِيَة الشرق الأوسَط على كافَّةِ المُستَوَيات (عدد 45).

-مِن جِهَةٍ أُخرى، على الكنائِس المحلِّيَّة الشرق أوسَطِيَّة إرسالُ كَهَنةٍ لخِدمَة الكَنيسَة في الدُّوَلِ الغَربِيَّة، وهذا ما يَحصل على صَعيدِ العَديدِ مِن الأبرَشِيّات والرهبانِيّات الشرقِيَّة. كذلكَ فإنَّ زيارَةَ الأساقِفَة والرؤساء العامِّين للمُؤمِنِين مِن أبناء كنائِسِهم المَحَلِّيَّة الذِين يَعيشونَ في بِلادِ الانتِشارِ ضَرورِيَّةٌ لِتَعزيزِ التواصُل. ويَلزَمُنا أيضاً تَطبِيقُ التوْأَمَة السياحِيَّة والثقافِيَّة (الجامِعِيَّة...) والمادِّيَّة، وإقناعُ المهاجِرِين الأغنِياء بإيجابِيّاتِ تَمَلُّكِ العِقارات في أوطانِهِم الأُمّ (عدد 47)

-بِناءً على ما عَرَضتُ، أوَدُّ أن أُضِيفَ بَعضَ النقاط التي تَكتَسِبُ أهمِّيَّةً كَبيرَة في التعاون المتبادل بين المسيحيين وإخوانهم في الانسانية الذين يعيشون معاً في هذا المشرق:

أوَّلاً- العائلة: حاملة القيَم وحاميتـها، هي التي لَها خصائِصُ فريدَة عند كُلّ الطوائِف المسيحِيَّة واليَهودِيَّة والإسلامِيَّة، بحَيثُ مِنَ الضرورِيِّ التركيزُ على أهمِّيَّتِها وكَيفِيَّةِ التعامُل مَعَها لإظهارِ دَورِها الأساسِيّ، فَنسعى إلى تَعزيزِ المُحافَظَة على الروابِط العائِلِيَّة الحميدة، لان العائلة هي النواة الاولى للمجتمع والكنيسة، فيها يتنشىء الانسان على معرفة الله والانفتاح على الآخر. إنّ مستقبل الشرق الاوسط يتوقف على العائلة.

ثانِياً- شَخصيَّة مريم العذراء، فسَيِّدَتُنا وأُمُّنا مريم تَجمَعُ المَسيحِيِّين والمُسلِمِين، إذ هي مذكورَةٌ في الكتاب المُقدَّس والقرآن الكريم، وهي التي اصطفاها الله على نساء العالمين جميعاً، وهي المباركة بين النساء، فمريم العذراء توحّدنا في إكرامنا لها، وكل الشعوب تطوبها،  ومِثالاً على ذلك، "عيدُ البِشارَة" في 25 آذار الذي اتَّخَذَهُ لبنان عيداً رسمِيّاً وطنِيّاً لجميع اللبنانِيِّين. ونحنُ في الرهبانِيَّة قد تَبَنَّينا مُنَظَّمَةً تَحمِلُ اسمَ "مريم العذراء ملكة السلام"، تَضُمُّ مُسلِمِين ومَسي حِيِّين يُريدونَ أن يَعيشوا ويَنشُروا رسالةَ مريم أمِّ الله.

ثالِثاً- القِيَم الإنسانِيَّة والوَطَنِيَّة والدينِيَّة، فهي قِيَمٌ يَقبَلُها الجَميعُ وعَلَينا أن نَعتَمِدَها مُرتَكَزاً أساسِيّاً لحوارٍ بَنّاء بينَ مُختَلَفِ الأديان والطوائِف، فنَسعى إلى تَطبيقِ شُرعَةِ حُقوقِ الإنسانِ العالَمِيَّة، وممارسة الديموقراطية والحرية، والسعي لوقف التخويف من الشركاء في الوطن وإلغاء الآخر المختلف، وذلك على أساس المواطنة، "لأن العيش في الوطن بكرامة لهو قبل كل شيء حقٌّ إنساني أساسي: لذلك وَجَب تعزيز شروط السلام والعدالة التي لا غنى عنها من أجل إنماءٍ متناغمٍ لجميع سكاّن المنطقة (البابا بندكتس السادس عشر، القداس الحبري لافتتاح الجمعية الخاصة لسينودس الاساقفة من أجل الشرق الاوسط، الاحد 10 تشرين الاول 2010 ، الفاتيكان).

رابِعاً- العمل التربَوِيّ، في المدارس والجامعات، فهو مُهِمٌّ في تنشئة جيلِ المُستقبَل وإعدادِه لتَقَبُّلِ الآخَر والاستِعدادِ للحوارِ الصادِقِ البَعيدِ عَنِ المُراوَغَة، كي يَنتَشِرَ السلامُ والديمُقراطِيَّة، وتَتِمَّ تَربيةُ الأجيالِ بَعيداً عَنِ العُنف، ضِمنَ المَفهومِ الذي يَعتَبِرُ الاختِلافَ عَنِ الآخَر غِنًى.

نحنُ بحاجَةٍ في هذا السينودس إلى إطلاقِ "نِداءِ الأبطال" لِنَعبُرَ مِنَ "المُجتَمَعِ المُغلَق" إلى "المُجتَمَعِ المُنفَتِح" في الشرق الأوسط. ونَحنُ أيضاً بحاجَةٍ إلى إعلانِ "نِداءِ القَداسَة والقِدّيسِين" لنَترُكَ "الدِّيْنَ الجامِدَ" مِن أجلِ عَيشِ "الدِّيْنِ الديناميكِيّ".

واجِبٌ عَلَينا السعيُ المُشتَرَكُ لإخراج الإنسانِ المَسيحِيِّ في الشرقِ الأوسَطِ مِنَ الانغِلاقِ والتقَوْقُع، فأَنْسَنَةُ القِيَم هي أَنْسَنَةٌ للأرض وللإنسان، بهَدَفِ المُحافَظَةِ على التنَوُّع والتعَدُّدِيَّة اللَّذَين طَبَعا وَجهَ الشرقِ عَبرَ التاريخ.

هَكذا نَستَطِيعُ تَلَمُّسَ الواقِعِ وبَلْوَرَةَ رُؤيَةٍ واضِحَةٍ بُغيَةَ تَقدِيمِ شَهادَةٍ مَسيحِيَّةٍ حَقَّةٍ، فَرِحَة وجَذَّابَة.                                                                                                              وَشُكراً.