بقلم روبير شعيب

الفاتيكان،  الأربعاء 27 أكتوبر 2010 (Zenit.org). – في معرض التطبيقات العملية للأفكار الذي وردت في هذه المقالة نقدم بعض الخصائص التي نعتقد شخصيًا بأنها يجب أن تُمَيِّز كنيسة هي بديناميتها أم تلد البنين والبنات على حياة الله والحياة في الله. خيارنا هو أن نقدم ست خصائص وذلك لخيار رمزي: الرقم ستة يعبّر عن عدم الكمال، ونحن في هذا المقطع من مقولتنا لا نزعم تقديم الحل للخصب الروحي في الكنيسة، كما لا نزعم أن نقدم الخصائص الوحيدة التي يجب أن تتحلى بها عروسة المسيح. إن كل كنيسة محلية، وكل كنيسة بيتية تستطيع أن تبتكر وجه قداستها، إشعاعها وخصبها الخاص، وما هذه الخصائص التي نقدمها إلا نموذج من النماذج العديدة التي تبين عبقرية الروح القدس وقدرته الإبداعية الخلاقة. بعد هذا التوضيح الواجب نقول أن على كنيسة المسيح أن تكون:

أولاً: عروسة متيّمة: فالرب لا يلد من خلال استئجار الأحشاء (كما يفعل بعض البشر حاليًا، مستأجرين أحشاء النساء لكي يلدن لهم البنين)، الرب يلد أولاده الروحيين فقط من خلال أحشاء مغرمة، أحشاء تكرس ذاتها له بالكلية. الرب يلد البنين الروحيين من خلال عروسة يحبها بحبه الأزلي، عروسة تستطيع أن تغوي الله لدرجة أنها تستطيع أن تقول "لقد اقتنيت رجلاً من لدن الله" (راجع تك 4، 1).

ثانيًا: عروسة متجسدة: تمامًا كما تجسد الرب، يجب على الكنيسة أن تكون متجسدة. إن كنيسة غير حاضرة في عالمها ليست كنيسة تستطيع أن تشهد لمصداقية تجسد ابن الله. يجب على الكنيسة أن تبشر بالخلاص للعالم وفي العالم، لا بالخلاص من العالم أو خارج العالم (راجع يو 17)؛ يجب عليها بكلمات البابا يوحنا الثالث والعشرين أن "تحب الأرض وهي تحفظ السماء في قلبها".

ثالثًا: عروسة جميلة: العروسة الجميلة ليست العروسة التي تبدلت وتحولت من خلال عمليات التجميل بل هي العروسة التي تعي مواهبها وعطاياها التي أفاضها الرب عليها. الجمال سيخلص العالم – بحسب قول دوستويفسكي – وذلك لأن الأخلاقيات وحدها تجفف النفس، والتفكير العقلاني وحده يعرقل العقل، ولكن وحده الجمال يستطيع أن يسبي القلب، أن ينير العقل وأن يقوي النفوس أخلاقيًا. يقول في هذا الصدد أسقف مدينة شيفيتا كاستيلانا، المطران رومانو روسّي (إيطاليا) مخاطبًا رعيته: "إن يسوع المسيح قد جعل منا كنيسة لكيما كل من يلتقي بنا أو يتواصل معنا يستطيع أن يقول، وقد أثّر فيه ما نحن عليه وما نفعله: ‘يا للجمال! أريد أن أتعرف عن سبب جمالهم وعمّا يدور في أعماقهم‘".

رابعًا: عروسة فرحة: الجمال يتزين ويحافظ على رونقه وإشعاعه في الفرح، فرح يجب أن يُطعّم كل الحياة المسيحية. الفرح لا ينفي الألم ولا يناقضه، بل يعبر في واديه ويجعله يتجلى. لنا في ذلك مثل في حياة القديس فرنسيس الذي يَنظُم نشيد الخلائق، نشيد الفرح بخليقة الله ومجده المتجلي في الخليقة في لحظة ألم كبيرة، في لحظة ظلمة داخلية وخارجية. فرح المسيحي هو فرح افخارستي وهذا الأمر يعني أمرين على الأقل: الأول هو أن الفرح يأتي نتيجة لهبة الذات وللشركة المرتكزة على هبة المسيح لذاته. الثاني، هو أن الفرح يمر من خلال "الكسر والعطاء"، من خلال الصليب الذي ليس خيارًا مفروضًا بل جزءًا طبيعيًا من الرحلة، رحلة الحياة، كل حياة.

خامسًا: عروسة مغسولة من دنسها: عروسة المسيح الخصبة هي عروسة تعرف أنها لم تصل بعد إلى ميناء القداسة الكاملة، هي عروسة في مسيرة، هي عروسة خاطئة غُفرت خطيئتها. هي عروسة لا تطوّب ذاتها بذاتها، بل تعترف بأنها "دائمة الإصلاح" (semper reformanda)، تسير مع كل البشرية نحو ذلك الذي وحده صالح وقدوس. في مقابلة عامة بتاريخ 7 مايو 1969، تحدث البابا بولس السادس عن الكنيسة فقال: "الكنيسة تتألف من أشخاص ناقصين، محدودين، خطأة؛ هي مؤسسة مقدسة وقديسة، ولكنها مبنية من مادة بشرية، غير ملائمة بالكامل وقابلة للفساد؛ وهي منخرطة في سيل التاريخ الذي يمر، ولهذا هي مُعرّضة  لتغيرات الزمن". وانطلاقًا من هذه النظرة التي تعبّر عن صدق وحيوية المجمع الفاتيكاني الثاني وفكر لاهوتيين عظام مثل كونغار ودو لوباك (اللذين كان البابا مونتيني يعرفهما خير معرفة)، يتابع البابا فكرته فيقول: "نعتقد أننا بصدد علامة من علامات الأزمنة، وبصدد نعمة من الرب، وهو أن تكون الكنيسة شاهدة لإصلاحها. هذا العمل يجب أن يعترف دومًا بضعف الأشخاص، حتى ولو كانوا مسيحيين، وأن يصحح ضعفهم والنقص الموجود في الإكليروس؛ إذا ما فهمناه بمعناه الأصيل، يمكننا أن نتبنى برنامج إصلاح كنسي دائم (Ecclesia semper reformanda)".

سادسًا: عروسة مضيافة: إن السخاء والروح المضياف المسيحيين هما من أكبر شهادات إيمان الكنيسة. إن الأيقونة البيزنطية المعروفة باسم "فيلوكزينيا" (Filoxenia)، والتي تُسمى عادة "ضيافة إبراهيم" لهي شهادة فنية ولاهوتية لمعنى الضيافة المسيحية. الفيلوكزينيا، والتي تعني حرفيًا "حب الغريب"، هي موقف يجب أن يميّز الكنيسة، من ناحية أنها تشهد بأننا "لم نعد بعد غرباء أو نزلاء، بل من أبناء وطن القديسين ومن أهل بيت الله، مبنيون على أساس الرسل والأنبياء، وحجر الزاوية هو المسيح يسوع نفسه" (أف 2، 19 – 20). ولكن بشكل خاص لأن الله يتجلى في الغريب الذي لا ينتبه إليه أحد، والكنيسة تربي على الإيمان عندما تستقبل الثالوث وتنقل الثالوث للآخرين من خلال موقف النظرة التي تُصغي، ومن خلال الحضور والتنبه لحاجات الآخرين. لنا في هذا المجال مثال كبير في مريم العذراء التي تقوم بفعل الضيافة والاستقبال حتى عندما تكون هي ضيفة، كما نرى في وليمة عرس قانا، حيث تسهر – رغم أنها كانت ضيفة – على حاجات الآخرين، وتدعوهم لكي يصغوا لكلمة يسوع ويستضيفوها في قلوبهم: "افعلوا ما يقوله لكم".