رولا سماعين
الثلاثاء 24 يناير 2012 (ZENIT.org). - يسعى مسيحيو الأردن للإستقرار في الدول الغربية الغنية لأسباب اقتصادية في الغالب بعكس المسيحيين العرب الذين يواجهون تهديدات أمنية وضغوطات سياسية.
عمان - تعد الضغوطات السياسية المحرك الرئيسي لهجرة مسيحيي الشرق الاوسط أما مسيحيو الأردن فقد قالوا عند سؤآلهم أفرادا ومؤسسات أن سعيهم للهجرة الى الدول الغربية الغنية يعود لأسباب اقتصادية.
هذا وتعد هجرة المسيحيين من الأردن ظاهرة حقيقية بتوافق جميع الجهات المعنية لدرجة تأسيس التجمع العربي للتصدي لهجرة المسيحيين العرب.
ومع ذلك لا تجد لدى أيٍ من الجهات المعنية كشوفات رقمية حول هجرة المسيحيين كما أن القائمين على دراسة هذا الموضوع يبقون نتائج دراساتهم بعيدا عن متناول يد الصحافة.
يقول الأب حنا كلداني سكرتير مجلس رؤساء الكنائس في الأردن أن هجرة مسيحيي الأردن مستقرة في معدلها حيث تعود غالبية حالات الهجرة لاسباب اقتصادية ومع ذلك فإن بعض العائلات الأردنية تقرر الهجرة بحثا عن مكان أكثر أمنا للحياة في أعقاب التغييرات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية ولا سيما صعود نجم التطرف الديني.
وأضاف في مقابلة صحفية مع جريدة الجوردن تايمز أن بعض المسيحيين يقررون الهجرة لأسباب غير التي ذكرت ولكنها تبقى حالات خاصة ومعزولة مثل أن يهاجر بعض الأفراد بسبب التحديات الناجمة عن الزواج المختلط.
الاربعينية ماجدة أيوب من مواليد الحصن – محافظة أربد هاجرت مع عائلتها الى الولايات المتحدة في طفولتها إلا أنها قررت بعد الزواج أن تستقر في الأردن مع زوجها وطفليها وتؤسس مصلحة خاصة ولكن بعد مرور ثلاث سنوات قررت عائلة ماجدة العودة مجدداً الى الولايات المتحدة وذلك بسبب الخوف من المجهول وعدم الاستقرار الشديد في المنطقة بحسب ما صرحت به لجريدة الجوردن تايمز من خلال شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك.
أما الأربعيني فادي شرايحة وهو أب لطفلين فقد قرر الهجرة لعدة اسباب منها المخاوف السياسية وعدم الامان الذي يشعر به المسيحيون على مستقبلهم كأقلية حيث قال للجوردان تايمز معلقاً على اسباب هجرته: "وددت أساسا أن أوسع آفقي من الناحية العملية وأن أعطي أولادي فرصة تعليم أفضل وبالتالي مستقبلأً أفضل" وأضاف قائلا "أن عدم الاستقرار السياسي في الشرق الاوسط بشكل عام والبلدان المجاورة بشكل خاص قد رجح كفة الهجرة".
الكنائس قلقة
قال الاب حنا كلداني أن الكنيسة الكاثوليكية تشجع المسيحيين على العيش في الخارج لدواعي التعليم فقط على أن يعودوا لخدمة بلادهم وأضاف قائلا: "لا تقوم الكنيسة بتشجيع هجرة المسيحيين من المملكة ولكنها لا تستطيع في الوقت ذاته ايقافها".
أما تيسير عماري الناطق الاعلامي باسم التجمع العربي للتصدي لهجرة المسيحيين العرب فيرى مشكلة الهجرة كجزء من مؤامرة أكبر حيث قال أن :" الهجرة المستمرة للمسيحيين من الشرق الاوسط هي نتاج مخطط يستهدف اغتيال التعايش والتسامح الديني،" في اشارة منه للخطط الاسرائيلية الرامية لتفريغ القدس من سكانها المسيحيين على وجه الخصوص". وأضاف عماري قوله:" أن القادة الاسرائيليين يودون لو يصبح الشرق الاوسط بلا مسيحيين حتى يستطيعوا اقناع العالم أن الصراع في المنطقة هو بينهم وبين الاسلام".
هذا وقد أوضح عماري أن هجرة المسيحيين من العراق وفلسطين تعد هجرة قسرية إلا أن أسبابها في الأردن اقتصادية واجتماعية كما أنها تحمل طابعا اختياريا.
احصاءات ضبابية
ومن جانبه قال مدير برنامج كاريتاس-الأردن عمر عبوي أن المسيحيين يشكلون 3% من مجموع سكان الأردن الذي يفوق الستة ملايين نسمة ولكن يصعب تأكيد هده النسبة بسبب الهجرة لأن من يهاجر ويؤسس عائلة في الخارج لا يسجل عادة أولاده كأردنيين وانما يتخذ لنفسه ولأولاده جنسية الدولة التي يستقر بها وعليه أقر عبوي بوجود مشكلة ولكنه لم يعط اية ارقام توضيحية مضيفاً أن العائلات المسيحية غالبا ما تهاجر لدول محددة مثل كندا وأمريكا وأستراليا أما الشباب والشابات غير المتزوجين فيهاجرون الى دول الخليج لايجاد فرص عمل افضل ومعظمهم يعودون للاردن.
"ولكن ما يقلقني هو أن وصول المسيحيين لمرحلة التفكير بأن الوقت قد حان للتغيير يدل على اعتقادهم بأن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي قد وصل لمرحلة من السوء تدفعهم للهجرة" يقول عبوي مضيفا "إن الهجرة في الأردن لا تعد أمرا ملحا كما هو الحال في لبنان وفلسطين والعراق ولكنها بدأت تطفو على السطح تدريجياً حيث يهاجر المسيحيون الأردنيون لايجاد مستقبل افضل لهم ولاولادهم لا بسبب أوضاع داخلية ضاغطة".
وعليه لا يستبعد عبوي أن تؤدي هذه الظاهرة لاخلالات اجتماعية محذراً من أن التأثير السلبي لاستمرارها على حجم الجماعات المسيحية ومؤكدا أن هجرة الشباب وتركهم لذويهم وزواجهم من أجانب بدلا من أبناء بلدهم أمر يبعث على القلق ايضا.
وختم عبوي قائلا أن كاريتاس – الأردن تعمل حالياً على إطلاق برنامج جديد عام 2012 يهدف للمساهمة في الحفاظ على الوجود المسيحي في الأردن والشرق الاوسط.
أما سامية قبعين فتقول: "ابني البكر سافر الى المملكة المتحدة للحصول على شهادة الماجستير ولكنه قرر البقاء لاتمام متطلبات شهادة الدكتوراة ثم وجد عملا ولا يزال يعيش هناك وتضيف السيدة قبعين أنها سعيدة بنجاح ابنها (31 عاما) ماليا ومهنيا ولكنها تود أن يعود الى الأردن للزواج من فتاة أردنية وتأسيس عائلة فهي تقول لابنها باستمرار أن العيش في الخارج يوفر بلا شك فرصا أفضل من الناحية المهنية ولكن العائلة كانت ولا تزال أكثر أهمية من المال.
أما الأب رفعت بدر عضو اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الاوسط فله نظرة مختلفة حيث قال أن المسيحيين العرب قد قدموا وما زالوا يقدمون اسهامات قيمة في بناء الحضارة العربية وعليه فإن هجرة الموهوبين من المسيحيين خوفاً على أمنهم ومستقبل أولادهم سيزيد بلا شك من مشكلة هجرة العقول وتداعياتها على المجتمعات العربية.
وأضاف الأب بدر قائلاً أن المسيحيين في الأردن محميون بموجب الدستور والقوانين التي تعتبر أن الأردنيين أمام القانون سواء وإن اختلفوا في الدين كما أن المسيحيين والمسلمين يعيشون في جو من التفاهم المشترك ضاربين بذلك مثالاً رائعاً للعالم على العيش المشترك.
ومن ناحية أخرى قال الدكتور وائل عربيات أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية أن الاسلام ينظر للمسيحيين على أنهم أقلية ولكنهم مواطنون يتمتعون بكافة الحقوق والواجبات بحسب معاهدة المدينة المنورة التي اصدرها النبي محمد (صلعم) القائل "من آذى ذمياً (أي المسيحيون واليهود الذين يعيشون في بلاد المسلمين) فقد آذاني"
هذا وأشار الأب بدر الى رسالة سينودس الاساقفة من أجل الشرق الاوسط في تشرين الاول 2010 بعنوان "رسالة الى شعب الله" أشادت فيها الكنيسة بالعلاقة بين المسيحيين والمسلمين في الشرق الاوسط وحثت الذين يهاجرون لأسباب أمنية ألا يتخلوا عن بلادهم بالكامل بل أن يبقوا بلادهم حاضرة في قلوبهم وصلاتهم حيث تقول الرسالة: "تستطيعون أن تساهموا في تطور ونمو بلادكم بصلواتكم وأفكاركم وزياراتكم وغيرها من الطرق حتى وإن كنتم تعيشون خارج الشرق الاوسط".
وختاما تمنت السيدة قبعين التي تحدثت بالنيابة عن كل الامهات الأردنيات اللواتي يفتقدن ابنائهن وبناتهن في بلاد الغربة أن يتحسن الوضع السياسي والاقتصادي حتى يعود ابنها الى ارض الوطن.
* * *
نشر هذا المقال في جريدة Jordan times 1212012
ترجمة مرام حمارنة - خاص أبونا