بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، االثلاثاء 24 يناير 2012 (ZENIT.org). – العيون نافذةٌ إلى النفس ومرآة لروحانية الشخص البشري. من الأهمية بمكان أن الكلمة اليونانية التي تعني “شخص” أو “أقنوم” (prosopon) تعني أتيمولوجيًا “أمام الوجه” وبالتحديد “أمام العيون” [1] . كلمة “شخص” بمعناها اليوناني الأصلي ترتبط بكل تأكيد بالمعنى العميق لـ “المسرحي” (فكلمة theatre تأتي من الأصل اليوناني theoria التي معناها التأمل المرئي). واللغة العربية بدورها توحي بهذا المعنى التأملي إذ نقول: “سرح” عندما نعني أن الفكر أو الذهن أبحر وأمعن بالتبصر.
بكلمة، عيوننا لا تعبّر فقط عن النظر الميكانيكي. العيون هي من أسمى حواسنا الخارجية وهي تعكس ما يجري في أعماقنا، هي التعبير عما هو شخصاني وأقرب من الله في حواسنا، إذا جاز التعبير.
إذا ما نظرنا إلى الأناجيل بحثًا عن دلائل عن طبع يسوع التواصلي، لا يمكننا إلا أن نتوقف على تواتر كلام المسيح عن عيون يسوع ونظراته. يركز بشكل خاص على هذا البعد من تواصل يسوع الإنجيليُ مرقس الذي يعلمنا التقليد أن إنجيله إنما ينقل، يستوحي ويلخص كرازة بطرس الرسول.
غالبًا ما تلقي الترجمات بثقلها وظلها على غنى اللغة اليونانية فتُفقر خبرتنا، ولا بد من رجوع – ولو أولي – للنصوص الأصلية لإدراك عمق التعابير وتنوعها.
إن عيون يسوع – بحسب الإنجيلين – كانت “تتكلم”، فيسوع لم يكن ينظر وحسب، بل كان يحاكي الجموع بعيونه، فتراه تارة يحث الشعوب على الاستجماع لسماع كلمة التبشير (راجع لو 6، 20)؛ كانت عيونه تولد حرارة الشركة، وتعبّر عن الاختيار والتفضيل: “أجال طرفه (periblepsámenos) في الجالسين حوله وقال: “هؤلاء هم أمي وإخوتي” (مر 3، 34).
نظرة يسوع كانت “تقول” أيضًا غيظه وغضبه لقساوة قلوب الأشخاص الذين كانوا يفضلون السبت على الإنسان (راجع مر 3، 5).
ينطبق على نظرة يسوع وعلى عيونه ما يقوله الفيلسوف الفينومينولوجي الفرنسي، جان-لوي كريتيان، القائل: “الإصغاء هو من طَبْع العيون أكثر من كونه من طَبْع الآذان”.
يسوع يصغي بعيونه ويحب بعيونه. نظرات يسوع تنقل كل كيانه إلى من ينظر إليه: فبنظرته يسوع يرى ما في أعماق الإنسان وينقل ضمانة حبّه له: هذا ما يختبره الشاب الغني الذي يقول لنا الإنجيلي: “نظر يسوع إلى باطنه وأحبه (emblépsas autõ egápesen autón)” (مر 10، 21) [2] .
إذا ما أمعنّا النظر في سيرة القديس بطرس في الأناجيل، لرأينا أنها تقوم في إطار يحده نظرتان ليسوع: ففي اللقاء الأول يقول لنا يوحنا الإنجيلي: “ثبّت يسوع نظره على بطرس وقال: أنت سمعان، ابن يوحنا، ستدعة كيفا، الذي معناه بطرس” (يو 1، 42)؛ ومن ثم، بعد إنكار بطرس ليسوع وصياح الديك، يقول لنا لوقا: “التفت الرب، ونظر إلى بطرس،… وخرج بطرس وبكى بمرارة” (لو 22، 61 – 62).
* * *
[1] pros: أمام، مقابل، تجاه؛ opon كلمة ترتبط بجذر op الذي بدوره يعود إلى فعل orào الذي معناه: نظر، ويشير بالتالي إلى المحيا وإلى العين. [2] نسعى لتقديم ترجمات تقارب المعنى الحرفي للنص، رغم أنها قد تبدو أحيانًا غير مألوفة وحتى غريبة* * *
(يتبع)
ملاحظة: من الممكن مراجعة الأقسام السابقة من هذه السلسلة من المقالات على صفحة زينيت في قسم “المقالات اللاهوتية”. الحلقة السابقة توجد على هذا الرابط.
pros: أمام، مقابل، تجاه؛ opon كلمة ترتبط بجذر op الذي بدوره يعود إلى فعل orào الذي معناه: نظر، ويشير بالتالي إلى المحيا وإلى العين