بالله عليكم، أعيدوا قراءة كتابكم، وافهموه كما ينبغي، ولا تشوّهوا آياته وتعاليمه.
ليس نصارى المشرق –كما تحلو لكم تسميتهم- كفّارا ضالّين. بل هم يؤمنون بعيسى وأمّه.
ليس مسيحيّو سورّيا ومصر والعراق بذمّيّين ولا بمستأمنين. فالذّمّيّون هم مَن بينكم وبينهم عَقدُ ذمّة والمسيحيّون المشرقيّون ليسوا كذلك.
ليس مسيحيّو سورّيا ومصر والعراق بمُعاهدين. فالمُعاهدون هم مَن بينكم وبينهم عهد على ترك القتال؛ والمسيحيّون المشرقيّون لم يعتدوا عليكم يوما وثقافتهم ثقافة سلام، ولا هم معكم في حالة قتال.
ليس مسيحيّو سوريّا ومصر والعراق بمُستأمنين، فالمستأمنون هم من دخلوا بلادكم بأمان للعمل والتّجارة والزّيارة. والمسيحيّون المشرقيّون لم يدخلوا بلادكم أصلا، بل هم من صُلبها وجذورها منذ مئات السّنين. فالسّريان هم سكّان سوريا الأصليّون ومنهم قد اشتقّ اسمها، والكلدان والأشوريّون هم سكّان العراق الأصليّون. فقتلهم هو قتل ستمائة سنة من الحضارة المسيحيّة قبل مجيئكم. والأقباط هم سكّان مصر الأصليّون، ومنهم تحدّر اسمها في اللغة القبطيّة واليونانيّة واللغات الأجنبيّة…
فإن كانت حربكم ضدّ الطّغاة أو المغتصبين فليس مسيحيّو سوريّا طغاة أو مغتصبين.
إنّهم أهلكم وإخوانكم وشركاؤكم في اللغة والعيش والوطن والمصير، فاتّقوا الله فيما ترتكبون! ألم يقل دينكم “من قتل نفسا عن غير حقّ فقد قتل الإنسانيّة”؟
أما حرّم فقاهاؤكم حتّى قتل المُعاهدين واعتبروه معصية وكبيرة من كبائر الذّنوب؟ ألم يروِ البخاريّ نقلا عن عبد الله بن عمرو العاص: أنّ “من قتل مُعاهدا لم يرح رائحة الجنّة…”؟ فكم بالحري قتل أهلكم وإخوانكم في المواطنة والإنسانيّة!!!
لا أريد أن أخاطبكم بنمق الكلام كمن يخشى خدش مشاعر حوار عقيم قد يقتصر على المكايسة والمداهنة، كما لا أرغب بأن أكلّمكم بدبلوماسيّة رجال السّياسة ودهائهم كمن يخاف على موقعه أو ناخبيه.
بالله عليكم، كفّوا عن خطف الأساقفة وقتل الكهنة. أوَ ما قرأتم تلك الآية الكريمة من كتابكم: “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ” (المائدة: 82)!
كفّوا عن فهم دينكم بطريقة خاطئة. كفّوا عن شرحه بنمط استنسابيّ! وإلاّ تحقّق فيكم قول ابن سينا الشّهير: “بُلينا بقوم يظنّون أنّ الله لم يهد سواهم”.
فدينكم هو دين الرّحمة والمودّة والصّوم والصّلاة والزّكاة، وهو يرفض النّحر والقتل والعنف ونزع الأكباد والتهام القلوب. كفّوا عن تشويه رسالته التّوحيديّة في العالم فيما ينظر بعض علمائكم الأفاضل إلى ما يوحّدنا لا إلى ما يفرّقنا، ساعين إلى التزام مشترك بتعزيز السّلام.
نحن وإياكم أبناء العائلة البشريّة الواحدة، وإلهنا الواحد والوحيد هو الله الذي نعبد وتعبدون. فهو ربّنا وخالقنا ومخلّصنا ومحيينا وحبيبنا وطريقنا وحقيقتنا وحياتنا ورجاؤنا… كلّنا أبناؤه وجبلة يديه وهو لا يميّز بحبّه بين إنسان وآخر بل يحبّنا جميعا ويريد خلاصنا جميعا. فمن خوّلكم أن تنحرونا باسمه وتقتلونا وتشرّدونا وتفجّروا كنائسنا وبيوتنا وتخطفوا أساقفتنا وتقتلوا كهنتا ورهباننا في بلاد شاءها الله لنا ولكم كي نعيش فيها بآمان وتآخٍ ومحبّة.
أَوَ ماذا سيكون موقفكم لو قرّر الغرب المكروه من قِبلكم، أن يعامل أبناء دينكم بالمثل، أولئك الذين هجَروا دياركم واتّخذوا من بلاد الغرب ملاذا لهم هروبا من أوصوليّتكم الشّعواء؟
بل ماذا سيكون موقفكم لو طردت أميركا من ولاياتها جميع إخوتكم وأبناء دينكم وكذلك فعلت فرنسا وهي تأوي الملايين منهم ثمّ إنكليترّا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا وسائر الدّول التي تعادون، فماذا تفعلون؟ أين تضعونهم، فهم أكثر عددا من إخوتكم المتواجدين الآن في دياركم… لكنّي والحقّ أقول، إنّ الغرب يحبّهم ويضمّهم تحت جناحيه ويعطيهم كلّ حقوقهم التي تتوافق وثقافته الرّاقية، وذهنيّته المنفتحة، وقوانينه الحديثة؛ ويمنحهم حريّة دينيّة واسعة النّطاق ما كانوا ليحلموا بنظيرها لو مكثوا فيما بينكم.
إتّقوا الله! إنّ إلهنا إله سلام لا إله حرب. فآلهة الحرب قُتلت جميعها في عصر الفراعنة وأزمنة الفينيقيّين واليونانيّين والرّومان.
إنّه إله حبّ لا إله حقد. فالآلهة الحاقدة ماتت في حقدها منذ آلاف السّنين.
وهو إله مصالحة لا إله فتنة، فآلهة الخلافات الدّامية قد التهمتها نيران الحقيقة السّاطعة فوق جبال التّاريخ، منذ ردح من الزّمن.
ما أحوجكم اليوم إلى حكمة الإمام علي بن أبي طالب حين قال: “إن كان لا بدّ من العصبيّة، فليكن تعصّبكم لمكارم الأخلاق ومحامد الأفعال”.
سامحكم الله!
إنّ عيسى هذا الذي يكرّمه كتابكم، وتضطّهدون أتباعه، قد علّمنا أن نحبّكم ونغفر لكم لأنّكم لا تدرون ماذا تفعلون.