في سر التجسد

أكثرُ المسيحيينَ ، يتصوّرون َ أنّ يسوع الناصريّ، كان منذ الأزل لدى الله ، بجسدهِ، وأتى كسوبر مان حالّا في رحم العذراء مريم، وولدَ منها بقوّة الروح ، وأنّ ناسوته متّخذ من الله وليس مخلوقا .. وهذا أمرٌ لا تشهد له الكنيسة ولا آباءها الأوائل . ويقول البابا أثناسيوس: بإنّ جسد المسيح يجب أن يكونَ مخلوقا ، لإنه إنسانٌ حقيقيّ ، وكلّ من يقول أن جسد المسيح غير مخلوق ، فهو مضلّ !

Share this Entry

فعلًا، جسد المسيح مخلوق ، لكننا ، مع الكنيسة وأباءها ، نقول أن المسيح من الله مولودٌ غير مخلوق من صنع العالم… وهذا أمرٌ يجب أن يدرك ويفهَم .. يسوع الناصريّ الإنسان مخلوق من مريم العذراء ، من جهتنا كبشر، لكن المسيح هو المولود من الآب قبل كلّ الدهور .. وبعدَ القيامة المجيدة وحلول الروح القدس، تمّ الإعتراف، بإنّ يسوع هو المسيح المنتظر الملك المسيحانيّ والمخلص وكاشف أسرار ملكوت الله والكتب المقدّسة .. هو وحي الله الكامل للبشريّة ، لا بل هو كلمة الله الأزلية الكاملة .. فيسوع المسيح هو المخلص الممسوح …

كيف نقدر أن نفهمَ .. بإن أقنوم الكلمة الأزليّ أتحدَ بشخص يسوع الناصريّ .. هل هما شخصان أثنانْ ، فصار إنفصام في شخصية يسوع – شيزوفرينيا مثلا ؟حاشا

لا بدّ من توضيح بسيط جدا : كيف ندركُ من هو أقنوم الكلمة الازلي – أو الإبن الأزليّ وكيف هي صورتهُ وحقيقته .. ؟

وكيف إتحدَ بشخص يسوع الناصري التاريخيّ الحصريّ ، إذا أردنا أن نقول..!؟

سوف ينكشفٌ شيئا من الداخل ، سرّ عجيبٌ ، وثمنه سيكون : تمزّق وولادة جديدة .. وهذه الولادة وهذا التمزّق ، تاريخيّ وروحانيّ وعلائقيّ : بين يسوع الإنسان وبين الله الآب، بحسب تدبير إلهيّ مسبق وليس قدر محتومًا ، يفهَمه من لا يفقه لتسلسل الحقائق الإلهيّة أبدًا ولا يدركُ ما هيّة التدبير الخلاصيّ ..

أقنوم الكلمة – الأبن الأزلي .. هو الحقيقة الإلهيّة التي خلقت العالم والكون والإنسان أجمعَ .. والله لم يكن بلا حقيقة وكلمة وحوار ، وبعدَ مدّة من الزمن صارَ له حقيقة وكلمة وحوار.. فهذا غير ممكن أبدًا ويستحيلَ تحوّلا في كيان الله .. هو حوار وكلمة وحق أزليّ أبديّ .. وظيفة وعمل : أقنوم الكلمة الأزلي – الإبن .. هو رسالة خلاصيّة .. والإنسان الآن ، أنا ، وأنتَ ، والنحن، كلّنا مخلوقون على صورة الكلمة الأزليّة – أي على صورة البنوّة الأزلية التي يريدنا عليها الله الآب .. نحنُ أبناءً للآب وإن لم ندرك بإننا أبناء للآب ، سيكون الله بالنسبة لنا هو : الله المجهول لا الآب .. لإن الآب يستدعي الإبن ، والإبن الآب .. صورة الكلمة الأزليّة الإلهيّة التي خلق الإنسان عليها .هي صورة حقيقيّة ويشعر بها الإنسان في قرارة نفسهِ العميقة ، وشعورهِ هذا يأتي إما بمرارة في طعم فمه ، إن كانَ يحجبها عن الرؤية، فتئنّ وتبكي هذه الصورة فينا : كما يقول الرسول بولس: إن الروح يصلي فيكم بأنّات لا توصف ” يريد هذا الحق الصريح الذي فينا : الكلمة – الإبن .. أن يخرجَ من قوقعته التي حبسناه فيها ، وإن خرجَ وإنفتحَ على الآخر وعلى الآب .. سيتفاعل فينا هذا الكلمة الأزليّة ونصير نحن هو ، وهو نحنُ واحدًا لا إثنين .. لإنه حقيقة فينا دائميّة .. أقنوم الكلمة – الإبن = يسوع الناصريّ واحدًا .. أقنوم الكلمة لم يأخذ بشريّة مختلفة منفصلة عن الإنسان ، بل هو بشريّته ، لا بمعنى التحوّل والصيرورة المكانيّة والزمانيّة ، ولا كما يصير الماءُ خمرًا ، بل كما الروح في الجسد والعكس .. يسوع الناصريّ هو الكلمة الأزليّة ، الإبن الأزليّ .. وهذا ظهرَ صريحًا فقط ، في موته فوق الصليب، الذي صارَ مندمجًا في الــ ” نحن ” الشامل في البشريّة كاملة وقاطبة .. فصارَ القائم من بين الأموات ، المولود من الآب قبل كلّ الدهور = الكلمة الازليّة – الإبن يسوع المسيح إله حق من إله حق مولودٌ غير مخلوق من التراب، لإن يسوع المسيح أرتفعَ عن التراب وقامَ ولم يجعل من دود الأرض أيّ حجّة عليه بل جعلَ ذاته مأكل للعالم بحبّه .. والمحبة أقوى وأعظم من الموت وطابعا : الخلود! المسيح القائم لا يمكن أن يكونَ مخلوقا عرضيّا بل هو خالقا للجنس البشريّ كلّه … يسوع الناصريّ القائم من بين الأموات ، فعلا يستحق لقب: ملك الملوك وربّ الأرباب والإله الحق …

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير