عظة البطريرك الكاردينال – مار بشارة بطرس الراعي لورد، كنيسة القديس بيوس العاشر – الأحد، 4 أيار

“تعظم نفسي الرب، لأن القدير صنع بي عظائم “

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

صاحب السمو الكلي النيافة، الأمير والرئيس الأعلى لمنظمة فرسان مالطا ذات السيادة، الأخ ماثيو فستينغ

سيادة المونسنيور بروي، مطران تارب ولورد

الآباء الأجلاء المحتفلين،

حضرة الفرسان والسيّدات في منظمة فرسان مالطا في أنحاء العالم،

الحجّاج الأعزاء،

1. بفرح غامر وتكريس مريمي نؤدي مع أسيادنا المرضى من لبنان هذه الزيارة السنوية الورعة، إلى مزار سيدة لورد، والتي تنظمها منظّمة فرسان مالطا ذات السيادة. جئنا نرفع إلى الله نشيد مريم، الذي أصبح نشيد الكنيسة ونشيد الأمل بالنسبة إلى “الفقراء” الذين ينتظرون تحقق وعود الرب: “تعظم نفسي الرب، لأن القدير صنع بي عظائم” (لوقا 1: 46 و49).

جئنا نعظّم الرب مع مريم من أجل “العظائم” التي صنعها بها و لها. جئنا نعلن مريم “مباركة”، و”ممتلئة نعمة”، التي حملت الرب في أحشائها ووهبته إلى العالم. جئنا نستودع مريم ابتهالاتنا إلى الرب، من أجل تقديسنا، ومن أجل أن يشفى مرضانا روحيًا، ومعناويا”، وجسديًا، ومن أجل أن يعمّ سلام لبنان، وسوريا، والأراضي المقدسة، والعراق، ومصر، والعالم. جئنا نصلي من ؟أجل فرسان مالطا لكي ينجحوا في تحقيق شعارهم:Tutio fidei, obsequium pauperum، تعزيز الإيمان خدمة المسيح في الفقراء و المرضى.

2. نحن في لورد. أي مسيحي ، بل أي مؤمن لا يحلم بالصلاة في لورد يوماً ما؟ باباوات، ملوك، شخصيات بارزة من العالم، من مختلف الفئات، كلهم يأتون لكي يودعوا والدة الإله مريم، أحلامهم، وهواجسهم، ورغباتهم، ومخاوفهم، وفتورهم، وانتظاراتهم… لكن هذا المزار الثاني في العالم بعد القدس، هو الملاذ والمكان المفضّل لدى جميع مرضى الروح والجسد. فالعجائب التي صُنعت هنا لا تعد ولا تحصى. ومع ذلك، فإن الأعجوبة التي نشهدها كل يوم هي صحوة الإيمان وشفاء الروح. نرحل عن هذا المدخل إلى السماء وقد خفّت أعباؤنا، حاملين معنا سلام القلب، والمصالحة، والعفو عن الإساءات، والتوبة عن الخطايا، وبالأخص الفرح الداخلي الذي تعكسه ابتسامة مشعّة. أجل، تلك هي أعجوبة سيدة لورد. 

3. نضع عند قدمي مريم العذراء، سيدة لورد، جميع أعمال منظمة فرسان مالطا في العالم و خصوصا” في لبنان والأماكن المقدسة من أجلحماية الإيمان (tutio fidei) وتعزيزه وتقويته، ومن أجل الشهادة لمحبة المسيح تجاه الفقراء، والبؤساء، والمرضى (obsequium pauperum).  

أود أن أشيد بعظمة ما يقوم به فرسان مالطا في لبنان، حيث تنشئون ، أيها الأحباء ، في جميع الأماكن، في مناطق الاقتتال كما في المناطق النائية، مراكز طبية ومستوصفات يقصدها عشرات آلاف المرضى بانتظام للحصول على العلاج، وتستقبلون فيها إخواننا من اللاجئين السوريين بكل احترام، وعناية، وبالأخص بكل عطف، إيمانًا منكم بما قاله قداسة البابا فرنسيس، “من يضع يده على المرضى والفقراء فكأنما لمس المسيح”. 

4. أود أن أذكر أيضًا أمام الرب العلاقات التي تنسجونها مع الطوائف اللبنانية الأخرى، والتي تعزز روح العيش المشترك. فمبادراتكم وإشعاعكم الثقافي والاقتصادي، المتوجة بالايمان الناشط، إنما هي علامات واضحة في التأثير على بناء لبنان بحيث يشكل احترام الاختلاف في وحدة المحبة ، الحجر الأساس لمجتمع الغد.   

5. انطلاقًا من التزامكم الدائم بمهمّتكم الأساسية، أعني مساعدة، ورعاية، وحماية حجّاج الأماكن المقدّسة، حيث عزز الفرسان الايمان المسيحي ورسّخوه، أخذتم على عاتقكم مع إخوة آخرين في العالم مسؤولية صون الأماكن المقدسة والقدس، أمّ الكنائس، والحفاظ عليها. كثيرون هم الأشخاص النافذون في العالم الذين تجمعهم بفرسان مالطا علاقة صداقة أو مصالح. وهكذا، بالتعاون معهم جميعًا، نعمل على تعزيز العيش المشترك والسعي الى نشر السلام في الأراضي المقدسة وفي الشرق الأوسط برمته.

يذكّرنا قداسة البابا بنيديكتوس السادس عشر في إرشاده الرسولي بعنوان “الكنيسة في الشرق الأوسط” بأن أرض الشرق الأوسط هي “أرض اختارها الله وباركها” منذ زمن البطاركة والأنبياء. وكانت المساحة الإنسانية والطبيعية لتجسّد ابن الله من عذراء الناصرة. ورأت ارتفاع صليب المخلّص، وكانت شاهدة على قيامته من الموت وعلى حلول الروح القدس. من هذه الأرض، أعلنت الكنيسة الناشئة للعالم إنجيل السلام، والحب، والأخوة (انظر رقم 8). 

6. تدعونا الكنيسة وتحثّنا وتعضدنا على العمل من أجل السلام في العالم وفي الشرق الأوسط بوجه خاص. السلام هو قبل كل شيء العيش في انسجام مع الله، ومع أنفسنا، ومع الآخرين، ومع الطبيعة. هذا السلام يتجلّى في مغارة ماسابيال ومحيطها، فتعبّر عنه وتعكسه. السلام هو “ثمر الروح” (رسالة بولس إلى أهل غلاطية 5: 22)، و”عمل العدل” (أشعيا 32: 17)، ولكن يجب أن نلتمسه هدية ثمينة من الله (متّى 7: 7-8).

يعبّر الإرشاد الرسولي المذكور عن التزام الكنيسة التي لا تألُ جهداً لمساعدة الشعوب على العيش بسلام عبر الدروب التي تؤدّي إليه، أعني: تحقيق العدالة علىاسس الحقيقة والمساواة، والمحبة؛ العمل على تنمية الإنسان والمجتمع؛ تعزيز المواثيق الدولية التي تعزز السلم بين الدول؛ ودعم مواقف الكرسي الرسولي حول مختلف النزاعات التي تدمي المنطقة، وبشأن وضع القدس والأماكن المقدّسة (انظر رقم 10).

7. من أجل ضمان سلام عادل ودائم، لم يكف البابا فرنسيس عن الدعوة إلى الحل السياسي من خلال الحوار الذي يسمح بإيجاد حلول عادلة ودائمة (30 تشرين الثاني 2013 في زيارة حج إلى كنيسة الروم للملكيين الكاثوليك). وبكلامه عن المأساة الإنسانية في سوريا، أكّد
البابا بأنها “تحل بالحوار والتفاوض، مع احترام العدلالة وكرامة كل إنسان، ولا سيما الضعفاء والعزّل” (جلسة عامة تاريخ 18 أيلول 2013). وبالنسبة إليه، “الغفران، والحوار، والمصالحة هي عبارات السلام في سوريا، وفي الشرق الأوسط، وفي العالم بأسره” (صلاة مسائية من أجل السلام، 7 أيلول 2013). 

8. نصلي من أجل أن تستمر المسيحية، الحاضرة منذ ألفي سنة، في تغذية المجتمعات الشرق أوسطية بالقيم الإنجيلية مثل قدسيّة الحياة البشرية، وكرامة الإنسان، والحريات العامة والحقوق الأساسية، والتضامن والترابط، وثقافة العدل والسلام، والوحدة في التنوّع، وحقوق المواطنة، واحترام الاختلاف، ومعنى الديمقراطية، والحوار والمشاركة في حكم الدولة، والانفتاح، والاعتدال.

9. وأنتم، أيها اللبنانيون الأعزاء، الذين تعملون اليوم ضمن “هذه الأمم المتحدة” لمنظمة فرسان مالطا، فقد أتيتم بمريم من لبنان، من خلال “بيت مريم، نجمة الشرق” الذي يقع على بعد 300 متر من هنا. يعود فضل بناء هذا البيت الذي تخدمه جمعية راهبات الصليب التي اسسها الطوباوي “أبونا يعقوب”، إلى بعض أفراد جمعيتكم الذين سخوا بمالهم. في هذا البيت تستقبل سيدة لبنان أبناءها وبناتها من الشرق الذين يرفعون لها الصلاة بلغتهم في بيتها. 

أي لبناني لا يحمل معه في حقيبته صورة أو أيقونة للسيدة العذراء؟ فتكريسنا المريمي يُضرب به المثل، وليس صدفةً أن يحتفل المسلمون والمسيحيون في لبنان كل سنة بعيد البشارة في الخامس والعشرين من آذار باعتباره عيدًا رسميًا. على أمل أن تحذو حذونا في مثل هذه المبادرة البلدان الأخرى، التي تحتاج الانقسامات فيها إلى أم مثلها لكي تهدأ. ألا نقول باللهجة اللبنانية “الإم بتلم”؟ كلمتان مرادفتان للسعادة.

وأنتم أعزائي المتألمين، الذين تحملون المسيح الحيَّ داخلكم، وتكملون في اجسادكم ما ينقص من آلامه من أجل الكنيسة، كما يقول بولس الرسول ، وبهذا كله أنتم نورنا. هذا هو المعنى الذي يعطيه المسيح المصلوب لدعوتكم ورسالتكم على هذه الارض.  

10. أتوجّه بصلاتنا معكم إلى سيدة لورد، التي تحظى بتكريم شعبي كبير في الشرق ولبنان، لكي تحفظ فرنسا، الأرض التي اختارت مريم للظهور فيها. ويا له من امتياز ومسؤولية! ولكي تبارك أوروبا لتظل مخلصة لجذورها المسيحية. ولكي تبارك وتخلّص شرقنا المتألم والمخضّب بالدماء، والمصلوب على صليب الأحقاد المذهبية والمصالح السياسية والاقتصادية. نصلي لكي تساعدنا لنحافظ على لبنان وقيمه. ونصلي لكي تفيض على الفرسان والسيّدات في منظمة فرسان مالطا الدينامية الروحية، فيواصلوا بناء حضارة المحبة، و يكونوا مثالا لشعوب القارات الخمس، الممثلين اليوم هنا.

بهذا النور والمثال، أعزائي الفرسان والسيدات في العالم، يهتدي الذين يعيشون في الظلام، ويشعر بحرارة الإيمان أولئك الذين فقدوه.

و أتوجه بالشكر إلى الكهنة الذين يخدمون في هذه المزارات، وإلى جميع من شاركوا في هذه الليتورجيا الإلهية بترانيمهم، ونواياهم، واني أؤكد لهم صلاتنا وشركتنا الروحية.

فليبارككم الثالوث القدوس، الأب، والإبن، والروح القدس الآن والى الأبد. آمين. 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Bechara Boutros El-Rai

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير