يسوع المسيح هو وحي الله الكامل

الوحي الإلهيّ .. كشف الله عن ذاته (2)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

هناك وحيٌ خاص، وهناك وحيٌ عام إطلاقا. الوحي الخاص، هو وحيُ تاريخ خاص مهمّ وكاشف للأمور الآتية، الى أن شيئا فشيئا وتدريجيّا، يصيرُ وحيًا عامّا يشمل كلّ أبعاد الكون والانسان، ويدخل الله فينا وفي تاريخنا نهائيّا وكليّا، التاريخ الخاص الذي نقصده، هو تاريخ كشف الله عن ذاته، في تاريخ الشعب العبرانيّ مع النبي موسى، وأيضا قبل هذا الحدث، تاريخ أبينا إبراهيم، وبعده أيضا كشوفات كثيرة وتدخلات عجيبة خلاصيّة- ذكرنا أنّ تدخّلات الله ورسالاته هي خلاصيّة، وكشف عن واقع الإنسان المريض. وهناك أيضا، في تاريخ الله الواقعي مع الشعب العبرانيّ ومع النبي موسى، كشفٌ لاسم الله – يقول عنه انه “يهوه”، – وهذا كما قال علماء الكتاب المقدس واللاهوت، بصريح العبارة، ليس إسمًا، وإنما فعل مضارع، حاضرٌ أبدي، إنه الكائن الآن معنا، دلالة على واقع أن يكون الله حاضرًا معنا، في تعرّجات حياتنا العاديّة، وهو الدائم الحضور، أنا أكون معك..! لا ندخل، ولا يسعنا الدخول في تفاصيل هذا الاسم ومعناه، فهناك كتبٌ عديدة ودراسات، أن شئتم الرجوع إليها ودراستها.

وحي الله الخاص، هو وحيٌ – إذا أردنا القول – لا يتكرّر أبدا، ووحي الله النهائيّ والكامل مع يسوع المسيح، هو وحيٌ خاص بجدارة، كامل وشامل وكاشف لذات الله الكاملة، وهو أصبح، بفضل موته وقيامته، وحيٌ شامل وعام، في كلّ ذرات حياتنا .

يقول الكاردينال اللاهوتي اللامع فالتر كاسبر بخصوص مسألة الوحي والكشف الالهي، الوحي، هو إختبار غير مباشر، أي اختبارات “في ومع وتحت” غيرها من الاختبارات، فيها يظهر الله أو الإلهيّ ، أو يُبدي إرادته ، وتدرجُ في هذه الاختبارات أحداث طبيعيّة عجيبة، أي تُثير التعجّب (عاصفة، صاعقة، رعد، زوبعة، شمس….)، وأحداث اللقاء بين البشر (لاسيّما افتتان الرجل بالمرأة)، وأحداث تاريخيّة ( فوز وهزيمة، تأسيس مدن ودول..) وهناك الأحداث الثقافية والأحلام وتفاسيرها، والتنبؤات، التحكيمات الالهية، هذه الاختبارات تبقى في متناول مجالات الاختبارات عمومًا، وبإمكانها تمامًا أن تجد، على الأقل اليوم، شرحا علميّا بعلم النفس والإجتماع.

 ويضيف : لا بد أن نميّز، بين المفهوم النوعيّ للكشف (الكشوف) ؛ بمعنى أحداث كشف فرديّة، والمفهوم المتعالي، أي ذلك الحدث فوق النوعيّ، الذي فيه ينفتحُ السرّ الذي يسود في وعلى الحقيقة الواقعة. إذن، من هنا، نصل إلى النقطة المهمّة الأخرى، ألا وهي، أنّ الوحي والكشف ليسا واقعا وكلاما فقط ، بل وإنما أكثر من ذلك بكثير، أنه  ” حدثا ” ، الوحي ليس كلامًا هوائيّا لا معنى له في ذاته وفي حياة الإنسان، انه تاريخ حدثٌ واقعيّ يلزم حياة وافعال الانسان اليوميّة، وبما أنّ هذا الحدث هو أساس الإيمان المسيحي، ولا يمكن أن يكون هو بدوره مؤسَّسا، هو لنا بمقدار التزامنا والانفتاح له.

ولهذا ، نرى في احداث وقصص الكتاب المقدس، نموذجًا متماسكًا حيّا لعمل الله وعلاقته بالبشر، وضعت النبوءة كتفسير للتاريخ له سلطان- والنبؤة ليست عمل ما ورائي وعلم الغيب – ولكن هي عمل الله في الإنسان، وشوق عميق للنظر الى البعد المستقبلي للعالم، لتخليصه من الالام والمنغّصات والكوارث. في هذه النبوءات القصصيّة، التي وضعت بأسلوب روائي، وبشكل قصص تكشفُ الله ذاته لشعبه. ونرى أيضا في أناجيل العهد الجديد، وفي أعمال الرسل، شكل القصص والأمثال . هنا في رواية التاريخ هذا، تُفسَّر الأحداث التاريخية بذاتها كأنها كشف إلهيّ . وفي هذا التاريخ ،  يُساءل الله البشر ويحادثهم كأصدقاء.

الحدث التاريخيّ، يكشفُ لنا حضور الله الخفي والسريّ، في عالم التناقض والغرائب، هذه الخاصة السريّة والغامضة للكشف يبرزها الكتاب المقدس صراحة، ففي روايات الظهورات الإلهية، لا نجدُ أبدًا كلامًا على هيئة لله مرئيّة، ما يرى هو علامات، آثار، بصمات، توقيع الله، لدينا العوسجة الملتهبة، عمود الغمام حين الخروج من مصر، الغمامة والعاصفة في جبل سيناء. جدليّة الاسفار والاحتجاب الإلهيّ هذه، موجودة ايضا أكملها، في وجه المسيح يسوع، في يسوع المصلوب ؛ فالله في كشف ذاته بيسوع المسيح في سرّ الصليب، هو – كما يذكر كاسبر-  مخفيٌّ تحت عكسه, ومحتجبٌ خلف ظاهر الصليب، والإنسان المؤمن الحقيقي الذي يقبلُ الكلمة الإلهية، يفقه أنّ وراء الصليب هذا هناك بصيص نور القيامة.

إذن، في شخص يسوع الناصري، الذي به حصل ربطٌ محكم، بين الوحي (الكلمة الالهيّة)، والحدث (موت وقيامة يسوع)، فصار يسوع المسيح، هو الوحي الأخير بكلامه وأفعاله، فأمسى والرسالة كائنا واحدًا لا انفصال فيه، بين الكلمة والفعل، الى درجة، انه بموت هذا الإنسان، تموت قضيّته معه، وبحياته من جديد، تحيا رسالته ايضا. وهنا يرجع السيناريو الى بداية البدايات الجديدة، انه في حدث فريد من نوعه من حياة المسيح، تبدأ، أو بالأحرى بدأت، عمليّة الخلق من جديد، ويصبح يسوع هو الثمرة الآولى من ثمار البشريّة، ومبدأ وغاية كلّ شيء، ونموذج للإنسان الجديد، الذي على صورة الله.

يتبع

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير