لكي ندرك جيّدا معنى الفعل وعبارة ” ليتقدّس ” ، لا بدّ لنا من العودة إلى تاريخ الخلاص ، فالفعل العبريّ ” قاداش” يعني حرفيّا ” فصل ، ميّز ” ؛ أو أيضا ” كرّس ” . فإن نتمنّى أن يكون إسمُ الله مقدّسا ، يعني أننا نعبّر عن شوقنا إلى أن يكون الله محاطًا بالجلال والإحترام ، ويُعترف بسموّه . القداسة ، تعني سموّ الله وتميّزه عن العالم والخطيئة ، والتميّز عن الخطيئة يعني في الوقت عينه ، تصميمَ الله على الصلاح والحقيقة والعدل. والسيادة تعني كيانه المطلق ، وقدرته وقيمته ، وبهاءه ، وجماله . وتشير إلى أنّ الله غيرُ مرتبط بأيّ من الكائنات الأخرى ، وأنّ وجوده هو من ذاته وفي ذاته ولا حاجة له إلى سواه ، إذ هو ” ملءُ الحياة والكيان ، وهو الكمالُ المطلق ” .
يقترحُ ج . كارمينياك أن تترجم كلمة ” يقدّس ” بــ ” يمجّد ” : ” ليمجّد إسمكَ ” . إلاّ أن الفعلين ليسا مرادفين ، لذا كان من الضروريّ أن نذهبَ في البحث إلى أبعد .
نجدُ في كثير من النصوص أن تقديس إسم الله لا يتعلّق بالبشر فحسب ، بل أولا وبالدرجة الآولى ، بــ”سلوك الله ” الذي يكشف عن ذاته حين يمارس قدرته . والنصوص الأساسيّة حول هذا الموضوع نجدها في حزقيال 36 : 16 – 38 ، وبوجه ٍ خاصّ في حزقيال 38 : 18 – 23 . فتقديس أسم الله هو ، على النقيض من التدنيس والتجديف من قبل البشر ( خر 22 : 27 ) . وعلى النقيض من القذارة التي تسبّبها خطايا شعبه ( حز 36 : 23 ) . فحين يُقال ، إنّ الله ” يقدّس أسمه ” ، يراد أنه يُظهر قداسته على أعين البشر ، كي يحملهم على الإعتراف بإنّ أسمه قدّوس ، ويستحثّ هتافا كهتاف ليترجيّة الهيكل في سفر أشعيا :”قدّوس ، قدّوس ، قدّوس ، يهوه ربّ القوّات ” (إش 6 ) . ويمكنُ إستعمال الفعل بصيغة المجهول من تجنّب تسمية الله ، وكأننا نقولُ : ” ليُعتَلن أسمكَ قدّوسا ، بواسطتك أنت يا الله ، أو أيضا ” قدِّس إسمك ” ؛ وبالتالي ، فإنّ تقديس الإسم الإلهيّ لا يمكن أن يتمّ إلاّ حين يعلن الله نفسه قداسته على عيون البشر . وهذا الحدث يحملُ البشر على التسبيح والسجود .
تبدأ عادة الصلاة اليهوديّة ، في زمن يسوع ، بصيغة تسبيح لله قبل أن ترفع أيّ طلب ٍ شخصيّ . والصلاة الربيّة لا تخرجُ عن هذه القاعدة . لا بل ، وبوجه أوضح ، حين نتلفّظ بهذه الكلمات : ليقدّس إسمك ، فإنّما نلتفتْ نحو الله كي نسبّحه ، تاركين له أن يُظهر مجده هو نفسه ، مستودعين كلّ شيء بين يديه ، بحيث يتحوّل تسبيحنا ، بشكل ما ، إلى طلبْ .
يقولُ كتاب التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة (الفقرة 2807 ) : ” يجبُ أن لا تُفهَم كلمة ( تقديس ) هنا أولا بمعناها السببيّ ” فالله وحده يُقدّس ، يجعل قدّيسا ” . ولكن خصوصًا بمعناها التقديريّ أي الأعتراف به قدّوسا ومعاملته بطريقة ٍ مقدّسة وهكذا يُفهَم هذا الدعاء أحيانا في العبادة بمثابة تسبيح ٍ وشكر . ولكنّ يسوع علّمنا هذا الطلب بمعنى ” التمنّي ” : سؤال ، ورغبة وإنتظار يدخل فيها الله والإنسان ، فمنذ الطلب الأوّل إلى أبينا نغوص في صميم سرّ ألوهته ، ومأساةُ خلاص بشريّتنا . فطلبُنا إليه أن يتقدّس أسمُه ، يُدخلنا في <التصميم اللطيف الذي سبق فقصده > ( أف 1 : 4 ) “.
ويقول التعليم المسيحيّ أيضا : ” قداسة الله ، هي مكان سرّه الأبديّ الذي لا يُدرَك . وما ظهرَ منه بالخلق والتاريه يسمّيه الكتابُ ( المجد ) ، إشعاعَ جلالته “. وأخيرًا وليس آخِرًا ، يقول ترتليان : ” عندما نقولُ (ليتقدّس أسمك ) ، فنحنُ نطلبْ أن يُقدّس فينا ، نحن الذين فيه . ولكن أيضا في الآخرين الذين ما زالت نعمة الله تنتظرهم ، حتى نتطابقَ مع الفريضة التي تُلزمنا بالصلاة ِ لأجل الجميع ، حتى لأجل أعدائنا . لذلكَ لا نقول صراحة : ليتقدّس أسمك ” فينا ” ، لإننا نطلب أن يكون ذلك في كلّ الناس ” .