الإسم ، في المفهوم الكتابيّ ، هو الشخص ذاته . فنحنُ نقرأ في نشيد العذراء " وإسمه قدّوس " . نعني : " قدّوس هو الربّ " . والتحفّظ في التلّفظ باسم الله يرقى في الواقع إلى زمن أقدم بكثير من يسوع .  فابن سيراخ ، على سبيل المثال، يعطي هذه المشورة : " لا تألف التلّفظ بإسم القدّوس " . وقد بلغَ المطافُ إلى أنّ رئيس الكهنة وحده كان يتلّفظ بهذا الإسم ، مرّة في السنة ، في عيد الكفّارة ، وفي قدس أقداس الهيكل . وبلغتء الأمور إلى أنه لم يعد ممكنا أن نعرف ما هو التلّفظ السليم بهذا الإسم .

تجدرُ الإشارةُ إلى أنّ النصوص العبريّة لم تكن تحتوي في الأصل إلا على الحروف الصحيحة ، ولم تُضَف إليها حروفُ العلّة إلا في وقت متأخّر ، ومن أجل تسهيل ِ القراءة . فعلى الأحرف الصحيحة الأربعة للإسم الإلهيّ " يهوه " (yhwh) أضيفت حروفُ العلّة الموجودة في كلمة " آدوناي " – سيّدي – وهي الكلمة التي كان يجبُ ولا شكّ استخدامها . ( ومن هنا جاءت كتابةُ أسم الله في الترجمات الفرنسيّة بين القرن 16 و 19 من Yhwh  إلى Yeho Vah  ( أي بإضافة حروف العلّة الثلاثة ) .

إنّ معنى نصّ خروج 3 : 13 – 15 ، يرمي إلى ترسيخ إسم " يهوه " على أنه الإسم النهائيّ لله في إسرائيل . وكانَ المقصودُ ، تأصيل هذا الإسم  وربطه تاريخيّا بأصول الشعب الأسرائيليّ ، وبإبرام المعاهدة الكبرى وكذلك إعطاء تفسير لهُ . يقول الكاردينال راتسنجر في كتابه الشهير ( مدخلٌ إلى الإيمان المسيحيّ ) ، إن كلمة " يهوه " الغامضة على الفهم ، تشتقّ من الجذر " هايا = الموجود ، الكائن ؛ فالصوامت العبريّة في هذه اللفظة تخوّل إعتماد هذه المقارنة ؛ بيدَ أنّ الشيء الذي لا يزالُ مشكوكــــًا في أمره هو : هل أصل الإسم يهوه ، في منظور الإشتقاق اللغويّ ، يعود حقّا إلى الجذر " هايا " ؟ . الواقع أنّ الباحث ( يقول راتسنجر ) ، يجدُ نفسه هنا ، كما يحصل غالبًا في مجال دراسة العهد القديم ، تجاه مسألة لاهوتيّة لا لغويّة محض ، من مسائل علم الإشتقاق . فليس المقصود هو تحديد الأصل الإشتقاقيّ لكلمة " يهوه " ، إنّما المطلوب أن نستجلي في الحال المعنى الدقيق لهذه الكلمة .

إنّ الإسم ، ليس وصفا غريبًا يُلصق بالمُسمّى من الخارج ؛ إنّما يرمي فقط إلى معرفته معرفة ً تتيحُ إمكان الإتصال به ، وتسهّل عمليّة التعاطي معهُ . نحنُ عندما نذهبُ لمكان ما ،  لا نعرفه ُ ، غرباءَ عنه ، وفجأة نسمعُ إسمنا يُنادى به : نفرحُ لأن شخصًا ما عرفنا ... فأشعرُ هنا ، بعد شعور الغربة ِ المؤلم ، بإنّي متصل وذا علاقة ! .. أيضا العكس صحيح ، عندما أسمع إسمَ شخص أعرفهُ ، سأبتهجُ لإني أعرفهُ من بين جميع الأسماء التي لا أعرفها ! .

يعطينا الكاردينال راتسنجر مثلا : لا يكفي أن أعرفَ أنّ مفهوم " إنسان " ينطبقُ على فلان من الناس لأتمكّن من الدخول في علاقة معه ، بل الإسمُ وحده يُتيح لي أن أدعوه . فبفضل الإسم ، أتمكّن من مناداة المسمّى ، هذا الآخر الذي يكونُ قد دخلَ ، نوعًا ما ، في بُنى " كياني – مع – الآخر . فالإسم يعني ، الإرتباطُ الإجتماعيّ ويصنعه ، وهو يدخلُ المسمّى في بُنى العلاقات الإجتماعيّة . أمّا إذا نظرنا إلى أحد الناس على أنه مجرّد " رقم " ، فإننا نضعهُ ، بالفعل ِ نفسه ، خارجَ نسيج العلاقات الإنسانيّة . أمّا الإسم فيُصلح العلاقة الإنسانيّة ، " الكينونة – مع – الآخر " ويتيحُ مناداة الكائن الذي يحمله ، وإقامة التعايش مع مَنْ أستطيع تسميته .