يقول كتاب التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة : ” لقد كشفَ الله عن ذاته لشعبه إسرائيل وعرّفه أسمه . الإسم تعبيرٌ عن الآنيّة ، هويّة الشخص ومعنى الحياة . لله إسمٌ ، وليس بقوّة غفل ٍ . وتسليم الإسم هو تعريفُ الآخرين بالذات ؛ هو ، على وجه ٍ ما ، تسليم الذات بجعلها مُمكنة المنال ، حَرِيّة بإنْ تُعرَف معرفة أعمق ، وأن تُدعى شخصيّا ” ( الفقرة 203 ).
كما أننا لا نعرفُ إلاّ القليلَ من إنسان ، عندما لا نعرفُ إلا بعضا من صفاته ، كذلك لا يمكننا أن نُدرك بالإيمان إلا القليل من كيان الله عن طريق بعض صفاته . الناس يُعرّفون عن أنفسهم عندما يُدلون باسمهم . والأسمُ ليس مجرّد ” صوت وهباء منثور ” ، بل يعبّر عن شيء ٍ ما من الكيان . من يحملُ إسمًا ، ليس مجرّد نكرة ، بل هو شخص يقول : ” أنا ” ، ويقالُ له : ” أنتَ ” ، شخصٌ يستطيعُ أن يتكلّم وأن يُخاطَب ، شخصٌ لا يمكنُ أن يتمّ التصرّف معهُ هكذا ببساطة ، إذ إنّ له قيمته التي لا تُنتَهك. أنْ يكونَ لله إسمٌ ، يعني قبل أي أمر آخر أنه ليس ، وفقَ ما كان يذهبُ إليه عصرُ الأنوار ، كائنــًا أسمى ولا الكائن الأسمى . إنه ليس مبدأً مبهمًا ، ولا مجرّد قانون موضوعيّ لتسيير العالم ، ولا علّة الكون الآولى العمياء ، ولا هو ، مع إستعمال ” الــ ” التعريف ، المطلق ، ولا الغير المتناهي ، ولا الكيان ، ولا هو عمق الكيان . إنّ لله إسمًا ، وهذا يعني : الله ليسَ نكرة ، بل هو شخص يقولُ بضمير المتكلّم : ” أنا ” ، ويقالُ له بضمير المخاطَب : ” أنت ” ، وإسمه هو للناس وعدٌ ووفاء .
يعطي المطران يوسف توما الدومنيكيّ في دراسته حول ” لاهوت الوحي – إسم الله ” شروحات رائعة لا بدّ من وضعها الآن . يقولُ الأسقف يوسف توما : إنّ الإسم ” يهوه ” هو إسم عَلمْ كشفه الربّ لموسى ، شهادة لإختيار لا مبرّر له ، وكفالة لحضوره ، ووعدًا بالتحرّر ، وإمكانيّة لدعاء الشعب له ، ورفضًا لكلّ تصوير ورسم . ويضيف ويقول ، إنّ البحث في هذا الإسم الذي كشفه لموسى ، أمرٌ شائكٌ ، إذ لا يجبُ أن نضيعَ في إعتبارات لفظيّة وتحاليل قواعديّة ، كي نصل إلى ” تعريف ” لله . لقد سقطَ بعضُ اللاهوتيين في الفخّ ، وحاولوا كشفَ ( الغموض المتعمّد ) في هذا الإسم ” يهوه ” . كالتقليد التوماويّ ، الذي حاول إثرَ التقليد السبعينيّ (ترجمة الكتاب المقدّس الآولى إلى اليونانيّة بين 250 و 159 ق . م ) ، بإدعائيّة أن يربط بين الإسم المكشوف لموسى ، وتحليل الذات الإلهيّة .. ويعطي الأسقف توما ثلاثَ نقاط ٍ مهمّة :
1- إنّ هذا الإسم ، سُلّــــمَ في لحظة ٍ حرجة ٍ من تاريخ الشعب ، و ” كشف ” بمثابة كفالة من عند الله : ” أنا أكونُ معك ” خروج 3 : 12 .
2- إنّ هذا الإسم المسلّم ، هو في الواقع ” فعل ” لا يقودُ إلى أيّ صورة يركز على المسافة بين الله والشعب . وهذه المسافة تظلّ قائمة حتى في الإسم . صحيح أنّ الله بهذا الإسم ، يصبحُ ” ملكا ” للشعبْ ، لكنّهم لن يستطيعوا إستعماله كما يحلو لهم في تصويره مثلا . ” يهوه ” ، إسم عَلَمْ يبقي في العتمة حقيقة الله وجوهره ، ويظهر علاقة ممكنة بين ” الأنا و الأنت ” .
3- هذا الإسم هو ” وحي ” أو ” كشف ” ، به يغامرُ فيسمحُ لشعبه أن يدعوه بإسمه . ومهما كان أصلُ هذا الإسم ، سيتولّد لدى الشعب الشعور الواثق أنّ الطرف الإلهيّ في العهد ، لا يريدُ من بعد ، أن يبقى غريبًا، ولكن أنْ يُعامَل كصديق .