الحب: من سلعة إستهلاكية إلى نار متقدة

الزواج: طريقة سريعة إلى القداسة (4)

Share this Entry

بعد أن نظرنا في القسم السابق إلى ما أسميناه أطلال الحب وأوهامه، نتساءل: هل يُعقل أن يُسمى ذلك حبًا؟ أليس بالأحرى استهلاكًا للآخر؟ أو اتفاقًا على الاستهلاك المتبادل؟ هل هي حب تلك العلاقة التي تُستعمل كعلاج ضد خوف العزلة وضد الكآبة؟ بحق يصف عالم النفس أنتاريلا تلك الثنائيات باسم “الثنائي الطفولي” (les bébés couples)، لأن ثنائي من هذا النوع هو، أسوة بالأطفال، قادر فقط على تلقي العطف لا على إعطائه، أو بالحري على إعطائه فقط مع ضمانة تلقيه بالمقابل. هذا النوع من الحب هو عقد اجتماعي مصغّر: “اعطيني حتى أعطيك”.

الحب بالنظرة المسيحية هو واقع مختلف. بدل أن يكون سلعة استهلاكية، الحب هو نارة متقدة تستهلكنا إلى حد ما. هو بعيد أن يكون مناسبة لاستهلاك الآخر لكي نشعر بتكامل فردي وفردان. الحب في النظرة المسيحية يبحث قدر المستطاع أن يتحول وأن يجسد النموذج الافخارستي (القرباني)، نموذج الخبز المكسور والمُعطى بسخاء ومجانية.

حُب من هذا النوع لا يستثني ولا يرفض بُعد الصليب، بُعد إخلاء الذات، بُعدي الألم والخيبة اللذين يتولدان لا محالة جراء الاختلاف بين الأشخاص وجزاء عدم مطابقة الآخر في واقعه لفكرتي عنه في خيالي.

حب من هذا النوع يعيش خبرة القيامة، بعد أن تموت الأنانية الخسيسة. يتحول من سلعة استهلاكية إلى خبرة تُشرّع القلب وتكبّره. هنا يمكننا أن نفهم ما يقوله نشيد الأناشيد: “أقوى من الموت هو الحب!” (8، 6): الحب مجبول بخبرة الخروج، خبرة إخلاء الذات (على خطى يسوع المسيح) وخبرة الارتداد التي تطهر لوحة بشريتنا لكي تُرسم عليها وفيه أيقونة حب المسيح.

كما في صلب الحب الإلهي، كذلك الحب البشري هو إمكانية لخبرة السر الفصحي، سر الموت والقيامة، تمامًا كما يختبر البذر القيامة فقط من خلال المرور بظلام الموت عن الذات وقساوة انشقاق قشور الأنا.

هذا البعد السامي من الحب نرى وصفه بشكل عميق وفريد في كتاب النبي لجبران خليل جبران:

إذا المحبة أومت إليكم فاتبعوها,

وإن كانت مسالكها صعبة متحدرة.

إذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها,

وإن جرحكم السيف المستور بين ريشها.

إذا المحبة خاطبتكم فصدقوها,

وإن عطل صوتها أحلامكم وبددها كما تجعل الريح الشمالية البستان قاعاً صفصفاً.

لأنه كما أن المحبة تكللكم, فهي أيضا تصلبكم.

وكما تعمل على نموكم, هكذا تعلمكم وتستأصل الفاسد منكم.

وكما ترتفع إلى أعلى شجرة حياتكم فتعانق أغصانها اللطيفة المرتعشة أمام وجه

الشمس,

هكذا تنحدر إلى جذورها الملتصقة بالتراب وتهزها في سكينة الليل.

المحبة تضمكم إلى قلبها كأغمار حنطة.

المحبة على بيادرها تدرسكم لتظهر عريكم.

المحبة تغربلكم لتحرركم من قشوركم.

المحبة تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء.

المحبة تعجنكم بدموعها حتى تلينوا,

ثم تعدكم لنارها المقدسة, لكي تصيروا خبزاً مقدساً يقرّب على مائدة الرب

المقدسة.

كل هذا تصنعه بكم لكي تدركوا أسرار قلوبكم, فتصبحوا بهذا الإدراك جزءاً من

قلب الحياة.

غير أنكم إذا خفتم, وقصرتم سعيكم على الطمأنينة واللذة في المحبة.

فالأجدر بكم أن تستروا عريكم وتخرجوا من بيدر المحبة إلى العالم البعيد حيثما

تضحكون, ولكن ليس كل ضحككم; وتبكون, ولكن ليس كل ما في مآقيكم من الدموع.

المحبة لا تعطي إلا ذاتها, المحبة لا تأخذ إلا من ذاتها.

لا تملك المحبة شيئاً, ولا تريد أن أحد يملكها.

لأن المحبة مكتفية بالمحبة.

أما أنت إذا أحببت فلا تقل: “أن الله في قلبي”, بل قل بالأحرى: “أنا في قلب

الله”.

انطلاقًا من هذا الوعي يمكننا أن نبدأ التأمل بمعنى سر الزواج، لننتقل بعضها بتقديم 4 نصائح لعيشه بشكل عملي وناجح.

(يتبع)

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير