لسنا –لاسمح الله- من دعاة خنق الأصوات الحرّة أو قمع الفكر المختلف؛ بل نحن نحترم الرّأي الآخر مهما تمايز، شرط أن يكون حرّا لا بوقاً لأحد.
يا من تتجرّؤون على كبير الموارنة، تنبّهوا إلى عواقب أحكامكم العمياء! إنّه رأس الكنيسة المارونيّة وأبوها ورمز وحدتها؛ إنّه قائدها الأوّل وكبير قومها. بالله عليكم، لقد طفح كيل الصّبر والاحتمال، فأنتم بذلك تجرحون مشاعرنا، وتستبيحون كرامتنا.
إنّها بكركي التّاريخ، بكركي الموارنة، بكركي “الحويّك” و”عريضة” و”المعوشي” و”صفير” و”الرّاعي”… فهي ليست “مِكسر عصا” لأحد.
بكركي التي حلٌّق فوقها “فيدرين” (Vedrine) بطائرته وأرسل من الجوّ إلى بطريرك لبنان الكبير تحيّة الدّولة الفرنسيّة ورئيسها “ريمون بوانكاريه”Raymond Poincaré) )؛
بكركي التي هزّ انفتاحُ بطريركها على فرنسا عرشَ المتصرّف جمال باشا يوم كانت الدّولة العثمانيّة بحالة حرب معها، وحين كان التّواصل مع مواطنيها خيانة، حتّى صدح صوت البطريرك في وجه الباشا قائلا: “إنّ البطريركيّة تقدّر ظروف الدّولة العثمانيّة لكنّها لا تعلن الحرب على فرنسا… ولا على غيرها. كما أنّنا لسنا مع فرنسا ضدّكم… نحن حريصون على لبنان وسلامة لبنان”؛
بكركي التي ساهمت بتحقيق استقلال هذا الوطن وذادت عنه يوم كان بعض أبنائه منقادين إلى أوامر الخارج وقرارات ما وراء الحدود؛
بكركي التي خاطب بطريركُها أوّلَ رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة بعبارة “يا صاحب الفخامة إبننا…”؛
بكركي الثّوابت الوطنيّة الكبيرة، والعين السّاهرة على مجد لبنان، تغدو اليوم هدفا لحملة شعواء مغرضة، يقرأ روّادها في كتاب واحد. فمذ أن لمّح راعيها الصّالح عن رغبته بتفقّد خرافه المتشرذمة في الأراضي المقدّسة، حيث يُحرَم مسيحيّو هذا الوطن من الحجّ إليها لأسباب سياسيّة جامدة لا تحول ولا تزول ولا تتغيّر، فغرت ذئاب المصالح الخاصّة أفواهها لتلتهم مواقف البطريرك الجريئة وتتطاول على هيبة مقامه ومكانته المجيدة في الكنيسة والوطن.
لا! وألف لا! لا يحقّ لمن ليسوا أسياد قرارهم السّياسيّ أن ينالوا من سيّد الكلمة الحرّة والقرار الحرّ؛
لا يجوز لمن ليسوا أحرارا في مواقفهم أن ينتقدوا من هو حرّ الفكر والعمل؛
لا يصحّ لمن ليسوا مستقلّين في خياراتهم السّياسيّة أن ينتقدوا من يجلس على الكرسي الذي صنع الاستقلال. لأنّ قرار بكركي وسيّدها سيّد حرّ مستقلّ.
ولتعلمنّ طوائف الكلام والمتكلّمين من مُستبوِمين ومُستعلِكين ومستهزئين، أنّه ليس بالسياسة وحدها تبنى الأوطان؛ بل ليس كلّ شيء في الحياة سياسة! فثمّة مسؤوليّات راعويّة ودينيّة وكنسيّة… كما أنّ حوالي ربع أراضي فلسطين المُغتصَبة، هي ملك الكنيسة عقاريّا؛ فكنيسة المهد هناك، وكنيسة القيامة، والجسمانيّة والصّعود… بالإضافة إلى أربع وعشرين مؤسّسة كنسيّة يدير شؤونها رهبان القدّيس فرنسيس الأسّيزي منذ ردح من الزّمن، ناهيك عن المراكز الكنسيّة الأخرى والمؤسّسسات التّربويّة والصّحيّة والاجتماعيّة، وبطريركيّة اللاتين، والأبرشيّة المارونيّة العريقة، وسواها من الأبرشيّات والكنائس المختلفة…
فُرضت علينا العداوات والصّداقات ولم نقل شيئا. ويبقى الكيان الغاصب بالنّسبة إلينا ظالما ومرفوضا، فلا يزايدنّ أحد علينا وعلى وطنيّتنا! إلاّ أنّ أراضينا المقدّسة هي حقّ لنّا بعيدا عن أيّ اعتبار سياسيّ. فيها جذورنا وأصولنا ومقدّساتنا، فالنّاصرة لنا، وبيت لحم لنا، والقدس لجميع المؤمنين… إنّها أرض الميلاد والفداء والقيامة… أرض يوسف ومريم والرّسل، أرض النّشأة ونواة الكنيسة…
فليذهب البطريرك أنّى يشاء! وليلتقِ موارنته أينما يريد! فهو ليس بحاجة إلى إذن من أحد؛ ولا إلى تفسير أو تبرير أو دفاع؛ لأنّ بكركي هي المؤسّسة الوحيدة التي تملك قرارها الوطنيّ ولا تأتي به من الخارج. والبطريرك إن حكى، فهو يقول كلمته ويمشي، شاء من شاء وأبى من أبى.