انطلقت الطائرة البابوية صباح السبت 24 أيار 2014 من روما لتحط رحالها في مطار الملكة علياء في الأردن وعلى متنها البابا فرنسيس. كان البابا قد قرر زيارة الأراضي المقدسة وتلبية لدعوة الملك عبدالله الثاني حين زاره في الفاتيكان، كان له محطة أولى في عمان، الأردن. مع الإعلان عن هذه الزيارة بدأت التحاليل والأقاويل تنهمر من كل حدب وصوب محاولة إعطاء طابع خاص للزيارة ولكن الحبر الأعظم كان قد أعلن أن هدفه الأساسي هو السلام أولا وآخرًا.
حين وطئت قدما فرنسيس أرض عمان صاحت الجماهير الفرحة “هلا هلا مية هلا بالبابا فرنسيس” وحين دخل الأب الأقدس قاعة الشرف في المطار والى جانبه كل من الملك وعقيلته قُدمت له القهوة العربية وهي تأتي على رأس التقاليد. بعيد تجاذب أطراف الحديث أمام عدسات الصحافة، رحب الملك الأردني بزيارة البابا وشكره على قدومه إلى الأراضي المقدسة مؤكّدًا بأنّ الأردن هو أرض السلام والتآخي وهو ماضٍ في طريق تحقيق التفاهم والتناغم بين الأديان. وصف الملك البابا فرنسيس بجسر السلام وأشار الى الاهتمام الذي يكرسه المسلمون لدعواته الى السلام، وأكد أن من واجبه حماية الأراضي المقدسة للمسلمين والمسيحيين على السواء وتمنى أن تثمر جهود البابا “فطوبى لصانعي السلام.”
بعد انتهائه من كلمته، كان لفرنسيس كلمة أيضًا، شكر فيها الملك على ترحيبه به، وتحدث عن استقبال هذا البلد للكثير من اللاجئين وتقديمه يد المساعدة لهم، مشجعًا على الاستمرار بهذا النهج. شدد البابا على ضرورة ايجاد حل للأزمة السورية وحل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتابع موجهًا تحية للأقليات المسيحية في البلاد والتي تساهم في تحقيق خير المجتمع وتعبر عن ايمانها ضمن احترام الحرية الدينية، وختم بالقول: “في النهاية أودّ أن أتمنى أمنية خاصة من أجل السلام والطمأنينة في المملكة الأردنية وشعبها حتى يستطيعوا أن يساهموا تكثيف العلاقات الطيبة والودية بين المسيحيين والمسلمين لأن يسوع يحمينا من الخوف. أشكركم على حفاوتكم الكبيرة وأنا مثلكم أريد أن أطلب من الله الرحوم أن يمنحكم ويمنح جلالتكم السعادة والعمر المديد ويسكب على الأردن فيض البركات. سلام!”
عند الساعة الرابعة من بعد الظهر، توجه البابا الى ستاد عمان الدولي ليحتفل بالقداس الأول له ضمن الزيارة الى الأراضي المقدسة وفي عظته أمام الحشود أشار الى أن “المعزّي” الأول هو يسوع والثاني هو الروح القدس. من ثم توقف فرنسيس للتأمل بعمل الروح القدس الذي يهيء ويمسح ويرسل، فهو وفي معمودية يسوع مسحه ليعدّه لرسالته الخلاصية. تابع البابا قائلا أن الروح حاضر منذ فجر تاريخ الخلاص فهو حل في حشا مريم ودوره الأساسي هو توليد التناغم، فسأل الحبر الأعظم الروح القدس أن يعد سبيل السلام والوحدة، ودعا البابا الجميع الى الصلاة ليمنحنا الرب أن نعيش حياة أخوية تليق بأبناء الله، وختم قائلا: “السلام لا يُشترى، ولا يباع. السلام هو عطيّة يجب البحث عنها بصبر وبناؤها “يدويًّا” بواسطة تصرفات صغيرة وكبيرة تطال حياتنا اليوميّة. إن مسيرة السلام تتوطد إذا اعترفنا جميعًا بأننا نملك الدم نفسه وننتمي للجنس البشري ذاته؛ وإذا لا ننسى بأن لدينا أبًا في السماء واحدًا وبأننا أبناؤه وخُلقنا على صورته ومثاله.”
بعد انتهاء القداس جال البابا في سيارة بين الجموع وكعادته خرق البروتوكول معانقًا الأطفال ومجروحي الهجرة الذي كانوا ينتظرونه بشوق. أما المحطة التالية للبابا فكانت زيارة موقع المغطس حيت نال يسوع المعمودية على يد يوحنا المعمدان، فتوجه الى هناك بسيارة يقودها العاهل الأردني، وتميزت هذه الزيارة عن سابقاتها بثلاثة أمور وذلك بحسب مدير موقع المغطس الذي قال أن البابا هو أول من ينزل الى موقع العماد ويلمس مياهه ويتبارك منه ، كذلك قام البابا بالنزول من مطل نهر الأردن الى ضفة النهر وصلي وبعد ذلك ترك كلمة وجيزة في كتاب الزوار وهذا يحدث أيضًا للمرة الأولى حيث وصف في كلمته ما شاهده وشكر الأردن على حفاظه على هذا الإرث التاريخي والديني، وأخيرًا تسلم قداسته هدية خاصة وهي عبارة عن لوحة فسيفسائية تجسد قداسته في موقع العماد.
أما المحطة الأخيرة من زيارته الى الأردن تجسدت بلقاء بينه وبين اللاجئين وذوي الإحتياجات الخاصة. طلب الحبر الأعظم من الشباب الموجودين أن يضموا صوتهم اليه في الصلاة من اجل السلام، وقال أنهم قد يفعلون ذلك بتقديمهم لله معاناتهم اليومية وبذلك ستصبح صلاتهم قيمة وثمينة. كذلك شجعهم على أن يساهموا من خلال التزامهم في بناء مجتمع محترم للأضعف، والمرضى، والأطفال، والأشخاص المسنين: “حتى في صعوبات الحياة كونوا علامة رجاء، أنتم في قلب الله وفي قلب صلواتي، وأنا أشكركم على حضوركم.” في نهاية اللقاء، جدد البابا تمنياته أن يسود العقل والاعتدال ولكي تجد سوريا بمساعدة المجتمع الدولي طريق السلام: “فليرد الله أنفس من يخلقون العنف ويقومون بخطط للحرب، وليقوّ قلوب وعقول صانعي السلام وليغدق عليهم بركاته.، كذلك استمع الى شهادات حياة من الأطفال وباركهم وقبلهم.