قامت الدنيا وهاجت، يوم أعلن السيد البطريرك الكاردينال بشارة الراعي، رغبته الأبويّة بزيارة الأراضي المقدّسة. فعلت الأصوات واجترّت التكهنات وتزاحمت التمنيات، وتوافدت الوفود والبعثات الى الصرح البطريركي، متمنين و[آمرين ومتطفلين] على صاحب الصرح بعدم الذهاب الى الأراضي المقدّسة، وضُخت كميات هائلة ومتكررة من المصطلحات تارة متوعدة وطوراً مهددة الإستقرار السياسي، وأي إستقرار!! وإليكم بعضاً منها: الخوف من التطبيع، إضعاف القضية الفلسطينية والمقاومة، وتأثيرات سلبيّة على الوجود المسيحي في المنطقة… وأي منطقة؟ والجميع يتفرّج على منطقة، يستباح فيها قتل الأبرياء من المسيحيين، وإضعاف ممنهج للوجود المسيحي في لبنان، وليس هناك من معترض أو حتى مستهجن أو حتى مطالب [وينون وين وجوهن؟][1]!!
غير أن الراعي كان هو هو، رجل المبادىء والمواقف الجريئة- النبوية البسيطة في عملها والعميقة في معانيها وعباراتها. وها هو اليوم وكل يوم، يزور أولاده الموارنة يسمعهم يراهم يتحسس مشاكلهم ويضطلع على مخاوفهم وواقعهم ومستقبلهم. يشترك كشريك أساسيّ في قضيتهم المحقّة العيش بكرامة وحريّة عادلة… يدعوهم كأب وبطريرك، وكحامل ذخيرة القديس مارون أب المقاومة المحقّة والحقيقيّة، إلى محبة المسيح والكنيسة، ولاسيّما الإستبسال في إكمال نهج الحبساء والنساك المقاوم الذي إنطلق منذ 1600 سنة مع القديس مارون، ولا يزال حيًّا في قلب كل مؤمن حرّ ومحبّ للمسيح ولعروسته الكنيسة، مقاومة تنطلق بنبذ الخوف من القلوب، وعدم التعلّق بأوهام السياسة ومشاريعها الواهية، والتعلّق بشهادة المسيح المحرّر الحقيقي للإنسان، والغيرة على خلاص النفوس، ومحبّة الفقراء والدفاع عن الأبرياء، ومواجهة الشر بالخير والصلاة، ومسحنة الأرض بقيم القديس مارون، لتتحول منازلها ورعاياها وأبرشيتها الى أرض مكرّسة، حيث تشاد عليها حقيقة الحريّة العميقة والمسؤولة المتحرّرة من خطيئة “البخل والكسل، والبغض والميوعة»، بهدف عيش القداسة بالله الثالوث الأقدس.
ويا للعجب كيف أن البعض تناسى رسالة البطريرك الأولى يوم أعلن فيها، ومن على شاشات وسائل الإعلام المعارضة والموالية، شعاره الشهير [شركة ومحبة]، الذي إستمدّه من حالة روحية كنسيّة ومجمعيّة عاشتها الكنيسة في الشرق، وخاصة «… من حاجة مجتمعنا اللبناني والمشرقي والإنتشاري إلى مزيد من الشركة والمحبة… »[2]. إنها حاجة كل إنسان يطلب الشركة والتواصل مع الآخر، بعدما قطّعت
الأيديولوجيات الخطيرة أوصال الود واللقاء والتفاهم وأضعفت الثقة، وأقحمت المجتمع في فئات متناحرة، وبثت ثقافة النرجسيّة المتزمّتة والمعادية للآخر، وزرعت الأفكار السلبية في النفوس، وضربت النوايا السليمة، الى درجة التشكيك بقوة المحبة والشركة، بقوّة الكنيسة المارونية. فعندما قال صاحب النيافة :”فليفهم من يفهم، ويعلم من يعلم“، بإعتقادي كان المقصود، ضرورة العودة الى رسالته “شركة ومحبة ” بهدف فهم حقيقة ما يفعله ويقوله الراعي في زياراته الرعوية ولاسيّما الى الأراضي المقدّسة.
لكن الواقع قد كشف لنا، عن هوة كبيرة ثقافية ومعرفيّة في بنية المعرفة، تستدعي من الجميع الإنتباه والتيقظ والعمل الأكاديمي التربوي، في معالجة آفة الجهل والتي تتمحور في قلة القرّاء والمراجعة الدقيقة والعلميّة للفكر، والتي برزت بشكل لافت في بعض الساسة والأحزاب، وبعض الوسائل الإعلامية التي شنّت الحملة المغرضة على الراعي ولا تزال… ولهؤلاء نقول لهم، وفروا على أنفسكم العناء، إبدأوا بقرأة الرسالة ستجدوا الأجوبة. فمن لم يقرأ لا يمكنهم بالتالي الفهم، وبالتالي سيقفل هو بيده أبواب المعرفة والعلم والمحبة والشركة… لأنّه سيقفل أمامه أبواب بكركي وستتوقف أحلامه وستنكشف ألاعيبه، مع العلم أن الصرح البطريركي لم يقفل أبوابه يوماً أمام أي سائل أو ناقد أو مهاجم، ومع أعطي له معرفة ما يدور في عقل كل زائر… فقلب البطريرك أوسع من كل القلوب الضيقة والعقول المتحجرة، لأنه قلب يعيش في حقيقة الشركة والمحبة.
[1] – أغنية للسيدة فيروز.
[2] – البطريرك يشارة الراعي، شركة ومحبة، فقرة 1.