في سلسلة لقاءاته التي كانت متوقعة، توجه البابا فرنسيس ليلتقي بحاخامي إسرائيل الكبيرين. وصل البابا وكان جمع غفير باستقباله فتوجه نحو الحاخامين مسلمًا ومن ثم جلس على كرسيه واستمع الى كلمات الترحيب به، وبعدها ألقى كلمة عبّر فيها عن فرحه بهذا اللقاء شاكرًا الحاخامين الأكبرين لإسرائيل على الترحيب الحار مشيرًا إلى أنه كان له العديد من الأصدقاء اليهود عندما كان رئيس أساقفة بيونس أيرس يعقدون معًا مناسبات للحوار على مستوى روحي وعاشوا أوقات مميزة ومعبّرة وأكّد على الرغبة المتبادلة بين الطرفين بمعرفة الآخر أكثر والإصغاء إليه وبنيان جسور من الأخوّة الحقيقية.
تحدث البابا عن العلاقات التي تطورت بين اليهود والكاثوليك ووصفها بأنها عطية من الله ولكن لم تكن لتتحقق لولا بعض الجهود التي بذلها شجعان من المسيحيين واليهود على حد سواء. وأكّد البابا بأنّ الحوار بدأ مع يوحنا بولس الثاني في العام 2002 الذي استوحاه من زيارته إلى الأراضي المقدسة وها هي السنة الثانية عشرة على افتتاحه وبأنه واثق بأنه سيتابع هذا الحوار وسيملك مستقبلاً باهرًا في السنوات المقبلة. “علينا أن نبذل جهودًا أكثر من مجرد إنشاء العلاقات المتبادلة والمساعدة ذات أهمية روحية: نحن ندعو أيضًا لأن نفكّر بعمق أكثر بالمعنى الروحي للرباط الذي يجمعنا”. في نهاية كلمته وبعد أخذ الصور التذكارية تم تبادل الهدايا.
بعد لقائه بالحاخامين توجه الحبر الأعظم للقاء رئيس دولة إسرائيل شيمون بيريز وفور وصوله رحب به الرئيس في قاعة الشرف وجلسا لتبادل أطراف الحديث أمام عدسات الكاميرا التي كانت تلتقط كل بسمة وهمسة وكلمة. بعد حديث وجيز، توجه الإثنان الى الباحة الخارجية وسارا جنبًا الى جنب ومن ثم توقفا ليغرسا شجرة زيتون. عند وصولهما الى المكان المقصود من الباحة رحب جوق من الأطفال المتشحين بالبياض ببابا السلام مرنمين “الهللويا”.
ألقى الرئيس خطابًا ترحيبيًّا بالبابا ومن جهته أيضًا، ألقى البابا كلمة قال فيها أنه يتشكر الرئيس على كلمته الترحيبية، وهو سعيد جدًّا لأنه استطاع أن يقابله مرة أخرى ولكن هذه المرة في القدس، تلك المدينة التي تحوي الأماكن المقدسة العزيزة على الديانات التوحيدية الثلاث. شدد البابا أن هذه الأماكن ليست متاحف للسياح ولكنها أماكن حيث يعبر المؤمنون يوميًّا عن إيمانهم وثقافتهم ويقومون بالأعمال الخيرية. من ثم توجه البابا بحديثه الى الرئيس واصفًا إياه برجل السلام شارحًا أن صنع السلام يتطلب الاحترام واحترام كرامة الشخص البشري وحريته، ومؤكدًا على أنه يجب رفض كل ما يتعارض مع السلام. وختم كلمته بعبارة: ” “فليحل السلام في إسرائيل وفي الشرق الأوسط بأكمله!”
انتقل البابا بعد الظهر الى كنيسة الجتسماني حيث كان ينتظره المكرسون وكان استقباله بالزغاريد وبصيحات “يعيش البابا”. كان للبابا كلمة أمام المكرسين جاءت وكأنها فحص ضمير فبدأ الحبر الأعظم تأمله بإنجيل لوقا الذي يخبرنا عن صلاة يسوع في بستان الزيتون. شرح البابا أنه لما أتت لحظة تحرير البشرية من العبودية ذهب يسوع الى الجستماني عند أقدام جبل الزيتون ودعا فرنسيس الى فحص ضمير من خلال التساؤل عن موقفنا تجاه الرب المتألم، وبعد ذلك قال للمكرسين: “حضوركم هنا هو مهم جدًا. الكنيسة بأسرها شاكرة لكم وتدعمكم بصلاتها”. ثم وجه تحية إلى جميع مسيحيي القدس قائلاً: “أود أن أوجه تحية حارة إلى جميع مسيحيي أورشليم-القدس أود أن أؤكد لهم أني أذكرهم بحب وأصلي من أجلهم عالمًا بالصعوبات التي يواجهونها”. وختم بآية من إنجيل يوحنا: “إذا أراد أحد أن يتبعني وحيث أكون أنا، هناك يكون خادمي” (يو 12، 26).
على مثال معلمه يسوع، ختم البابا برنامجه “بالعشاء الأخير” (القداس الأخير) خلال زيارته الذي احتفل به من العلية. شكر البابا في عظته بطاركة الكنيسة الشرقية على خدمتهم وحضورهم، وأكد بأن هذا اللقاء في ذلك المكان هبة عظيمة ففيه تناول يسوع العشاء الأخير مع تلاميذه، وفي ذلك المكان أيضًا ظهر يسوع لتلاميذه بعد قيامته. تابع البابا أننا نتذكر خدمة غسل الأرجل التي تعني قبول الآخر ومحبته واستقباله، وأردف أن العلية تذكرنا بالإفخارستيا والصداقة وبأمانة الرب ووعوده الى جانب ذلك تذكرنا بالخيانة (بخيانة يهوذا ليسوع)، ولكنه شدد أنها تذكرنا بالشراكة والأخوة والتناغم والسلام وبولادة عائلة جديدة أي الكنيسة وختم قائلا: ” هذا هو أفق العلية: أفق القائم من الموت وأفق الكنيسة. الكنيسة تنطلق من هنا.”
في نهاية سلسلة لقاءاته توجه البابا فرنسيس الى المطار ووسط وداع رسمي صعد على متن الطائرة ومع لفتة أخيرة الى الموجودين أعطاهم بركته وودّع بعينيه الأراضي المقدسة التي ستحمل ذكرى زيارته في صفحات تاريخها ترويها لأجيال مقبلة على أمل أن تروى في أجواء سلام وأخوّة…