العائلة المسيحية درع المجتمع وراية حريته

يعيش شعبنا في الشرق الأوسط حالة من الصراعات الدامية، التي تجرّ بوابل نزاعاتها المنطقة الى المزيد من العبودية والإذلال، حيث  نرى في آن معاً إرباكاً في إيجاد الحلول الناجعة، وجواً مسيطراً على العائلات المسيحيّة والشبّان، يقلّل من أهمية الدعوة، لا بل يُنظر إليها وكأنها واجب إجتماعي- أخلاقيّ، بإمكان أي إنسان أو جمعية علمانية القيام به. وإزاء هذا الواقع نجد أن العائلة كما الأحزاب والدول والمؤسسات الرسميّة في حالة إرباك وضياع، فيتسأل الجميع ماذا بعد؟ من بإمكانه أن ينتشلنا من ثقافة فرعون الجديدة[1]؟

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

يقول لنا سفر الخروج، أن الشعب العبراني تكبّد الكثير من الويلات والظلم والجور بسبب إستبداد فرعون وتعنّته، وعنفه الموجّه والممنهج. سُخرة تنكيل إذلال، فرض عقوبات جائرة بحق شعب الله (راجع، خر1: 13 – 14)، وقتل ممنهج للأطفال : الذكور (راجع، خر1: 15- 16)، قانون الموت مسلط على مستقبل شعب الوعد والعهد، وما زاد [الطين بلّة] غياب روح القيادة وإلهام القائد وحكمة الحكيم ومشورة الفطن، عن هذا الشعب المعذّب. غير أن ما كان يملكه من قوّة، كان صوته المتصاعد نحو الله، وهذا الصوت يعبّر عن الكلمة- الثقافة الحيّة، التي تأبه الخنوع والإذلال للثقافة  الفرعونيّة وكلامها الواهي، وهي أي كلمة الشعب المصلّي- العائلات، تطالب الله أن يتدخل (راجع، خر3: 9) من أجل إنقاذ ما تبقى، أي العائلة حاملة إرث إبراهيم وإسحق ويعقوب. ولكن لماذا سمح الرب أن يتعاظم ظلم فرعون وجبروته على الشعب؟ لأنه يريد أن تكون المعركة مع فرعون، معركة الضعيف في وجه القوي، والمتجبر في وجه المتواضع. فمع دعوة موسى  الذي تربى على يد أمه في بيت  فرعون (راجع، 2: 1- 10)، سنجد معنى الدعوة في بعدها العميق، ومسؤولية العائلة في عيش الإنفتاح على عمل الله المحرّر. إن المعركة الحقيقيّة التي أرادها الله، بدأت في عقر دار فرعون، وهي لا تزال حاضرة  مع كل ثقافة تشبهها، تريد إخضاع العائلة الى قوانين الموت. بقدر ما كان ظلم فرعون يتعاظم في بيت الأسرة العبرانية، بالقدر عينه كان الله يُعدّ موسى للحظة المناسبة والمفصليّة في قصر الظالم، ففي حين كان فرعون يظلم ويقتل ويذل، كان موسى يتربّى على يد أمه في قصره، يرضع منها الحنان ومن يديها يتربّى على الإهتمام والرعاية، ومن صوتها يسمع قيم الحرية والتضامن مع المستضعفين. فأمام ثقافة فرعون القاسيّة، كانت أم موسى، طريق الله الذي سيعبر نحو الشعب العبرانيّ. إنها صورة مسبقة عن مريم العذراء ويسوع المسيح.

  يغفل عن بال الأنظمة الجائرة- الفرعونيّة في زمننا الحاضر، صراخ الأبرياء والمستضعفين والمهمشين، إذ لا يعيرونها أهميّة، وينسوا أن الله يعمل دوماً وأبدا في تاريخ الشعوب، لأنه الله الكليّ القدرة والمحبة، بإمكانه أن يتدخل ليحرر ويخلص ويقلب الأوضاع رأساً على عقب، ودائما وأبداً لصالح الأبرار والمظلومين والمستضعفين، لا تقف في وجهه التحديات، يفاجىء الجميع يقلب العروش والأنظمة (راجع، لو 1:   )  بواسطة أشخاص  لم يكن المجتمع يعير لهم  أي حساب، من خلالهم سيتدخل في تحقيق الخلاص ودائماً على طريقته الخاصة.

 من كان يحسب للقديس بطرس حساباً، فصار راعي الرعاة (راجع، لو5: 10)؟ ومن كان يظن أن البابا القديس يوحنا بولس الثاني، الذي عاش وعاصر وعاين جور الأنظمة الشمولية في بلده بولونيا سيكون  له دوراً في تحرير الشعوب من وطأة عبودية ثقافة الإلحاد والموت؟ فالله قد أجرى على يده وبشفاعة العذراء مريم معجزة عودة روسيا الى حضن المسيحية، وبالتالي كان له ولا يزال الوقع القوي في حياة الكنيسة والعالم.

إنطلاقاً مما سبق، في أي بلد تتألم فيه الكنيسة وتعاني الإضطهادات والإذلال والإفتراء، نجد الرب ينظر يعمل من خلف الكواليس والأنظمة والقصور والأحداث والقوانين، حيث تجده  في كل عائلة مسيحية مصليّة ترجو الخلاص، فها هو حاضر في قلب الأزواج كما الأولاد، يدعو هذا  الى الدعوة الكهنوتية التكرسيّة، وذاك الى سر الزواج، ليعدّ كما فعل مع موسى  تحرير شعب الله من الظلم.

 أيتها العائلة المسيحية إنك مدعوة في هذا الوقت بالذات، أن تسهمي في خلاص المجتمعات من وطأة الشرّ، من خلالك سيتم خلاص العالم والمجتمع، فلا تبخلي على الروح القدس، بدعوة أحد أبنائك الى خدمته أو الى التشبث بسرّ الزواج وقيمه. عليك أن تتيقني أنه لا البرامج السياسية- الإقتصادية أو الأحزاب أو السلاطين، بإمكانهم أن يمنحوك الخلاص، بل من خلال الدعوة هناك مشروع خلاصي معد للعالم، فهناك دوماً  موسى وبطرس ويوحنا بولس الثاني، يعيش في وسطك ينتظره الحاضر ليحرره من إخفاقات الماضي ، ليلد مستقبلاً مزهراً بالقداسة.  

[1] – إنها خلفية سفر الخروج. 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير