- يرى الكثيرون في الدين ما يُشابه الدرع ، أو الوسيلة ، أو التركيبْ ، يرتديه الضعيف والإنسان الجاهل حتّى يرتّب أموره مع ذاته ومع العالم . وكما يقول المحلّل النفسيّ س. ج . يونغ : " الديانات هي أنظمة للعلاج النفسيّ بالمعنى الضيّق للكلمة ، في الكنيسة صورٌ قويّة تعبّر عن كامل المشاكل النفسيّة" . هل هذا يكفي وهل هذا هو الإيمان ؟
ج : ما يقوله يونغ وما تبنّاه بعد دريفرمان ، هو صحيح ، أنّ للدين قوىً شافية وهو يعطي أجوبة ويساعد تخطّي المحن والمخاوف الأصيلة . لكن إذا عددنا الدين وسيلة معالجة نفسيّة وحاولنا بوساطة صوره أن نُشفى ، فهذا بالتأكيد يفقدُ فعاليّته . ففي آخر المطاف سوف تنكشفُ هذه الصور على أنها غير حقيقيّة وتفقد فعاليّتها الشافية .
صحيحٌ أنّ هذا ميزة ثانويةّ للديانة ، لكنّها لا تكونُ الدين في جوهره . إنّ ظاهرة توق الإنسانيّة في كلّ مراحلها إلى الأزليّ ، إلى المختلف تمامًا وإلى محاولة التواصل معه ، تبرزُ أنّ للدين أبعادًا . إنّ جوهر الدين هو علاقة الإنسان الذي يتخطّى ذاته بهذا الغائبْ المجهول ، الذي يُسمّيه الإيمان الله ، ومقدرة الإنسان على أن يدخلَ إلى هذه العلاقة الأوّليّة ، بتخطّيه كلّ ما هو ملموسٌ وقابل للقياس . يعيش الإنسان وسط علاقات ٍ ، وحياته جيّدة بقدر ما تكون علاقاته الجوهريّة – أعني مع الأب ، الأمّ ، الأخ ، الأخت وإلى ما هنالك – علاقات ٍ أساسيّة يقيم فيها كيانه العميق . لكن أيّة من هذه العلائق لن تكون صحيحة إنْ لم تكن العلاقة الآولى التي هي مع الله ، جيّدة . أعني بذلك أنّ هذه العلاقة بحدّ ذاتها هي مضمون الدين .