1. في عيد العنصرة، عيد حلول الروح القدس على الرسل وجماعة الكنيسة الناشئة، تمّم الربّ يسوع وعده، بأنّه لن يترك كنيسته في حالة يُتم. فأرسل لها من لدن الآب الروح المعزّي والمحامي والهادي، المعبَّر عنه بلفظة “برقليط” الآرامية – اليونانية. وهو بمثابة امتداد لشخص يسوع، الضامن بقاءه فادياً ومخلّصاً، والمحقّق في النفوس ثمار الفداء والخلاص. لكن الربّ اشترط لقبول روحه القدوس أن نحبّه ونحفظ وصاياه. فكان وعدُه في إنجيل اليوم: “إذا كنتُم تحبّوني، تحفظون وصاياي. وأنا أسأل الآب فيعطيكم برقليطاً آخر يقيم معكم إلى الأبد، روح الحق” (يو14: 15-17).
2. بعد ظهر اليوم، يقيم قداسة البابا في الفاتيكان لقاء صلاة مع الرئيسَين Shimon Perès ومحمود عباس بمشاركة البطريرك المسكوني برتلماوس الأول، يلتمسون فيها من الله عطية السلام، ولا سيّما في أرض يسوع حيث أُعلن السلام ليلة ميلاده. إننا ندعو، تلبية لنداء قداسة البابا، إخواننا السادة المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات وسائر المؤمنين، للمشاركة الروحية في هذه الصلاة، التماساً للسلام. وقداسة البابا، المؤمن بقيمة الصلاة وبنتائجها، قال لنا جميعًا وللعالم: “ما تتركونا لوحدنا صلوا معنا”.
3. يسعدُنا أن نحتفل معكم بعيد حلول الروح القدس، وفي المناسبة نحتفل بالذكرى السنوية الرابعة والعشرين لتأسيس تيلي لوميار، والذكرى الحادية عشرة لنورسات، والثالثة لإطلاق فضائية نور الشباب. كما نحتفل اليوم مع أسرتَي تيلي لوميار ونورسات بإطلاق الفضائية الجديدة نور الشرق. فباسم هذا الجمهور الحاضر وباسم جميع المشاهدين والمُحسنين والداعمين نهنِّئ مجلس الإدارة على هذه الإنجازات الكبيرة، وبخاصّة اليوم على فضائية “نور الشرق“، المتخصّصة بشؤون الكنائس الشرقيّة، والناطقة باسمها وبلغاتها. كما نهنِّئ مجلس إدارة تيلي لوميار التي منها انبثقت هذه الفضائيات. إنّنا نحيّي إخواننا أصحاب الغبطة البطاركة والسَّادة المطارنة ممثّليهم، وسائر رعاة هذه الكنائس، وأبناءها وبناتها ومؤسّساتها الراعوية: التربوية والثقافيّة، والاجتماعية والاستشفائية. ونهنّئهم بفضائية “نور الشرق” لأنّها ستحمل للعالم هوية هذه الكنائس وكنوز تقاليدها وتراثاتها، وتجمع شمل أبنائها المقيمين والمنتشرين وستقوّيهم في شهادتهم للمسيح الربّ الذي أشرق على العالم نوراً في هذا المشرق، فيما تتخبّط اليوم بلدانه في ظلمات الحرب والعنف والقتل والدمار، بحثاً عن الهوية والمكان في أسرة الدول. إنّه نور المسيح: الحقيقة والمحبة، نور العدالة والحرية، نور الغفران والمصالحة، نور الأخوّة والتضامن. هذا النور ستنشره فضائية “نور الشرق”، ثقافة حوار بين الكنائس والأديان، وثقافة اعتدال وانفتاح وعيش للوحدة في التنوّع.
4. بإطلاق فضائية “نور الشرق” يهيّئ الله ربيعاً حقيقياً لعالمنا العربي. ويجعلها أداة فاعلة “لروح الحق” الذي أرسله الآب، يوم العنصرة، ليبدأ في العالم زمن الحقيقة التي تحرّر وتوحّد. ألم يؤكّد الربّ يسوع: “تعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم” (يو8: 32)؟ ألم يصلّي قبيل موته: “يا أبتِ، قدِّسهم بالحقّ. إنّ كلمتك هي الحق” (يو17:17)؟ بهذا التأكيد وبهذه الصلاة، يدعو المسيح الربّ كلّ إنسان إلى معرفة هذه الحقيقة. إنّهاحقيقة الله الذي كشف عن نفسه أنّه المحبة، وحقيقة الإنسان المخلوق على صورته ليكون مجسِّداً في بيئته لمحبة الله، وحقيقة التاريخ الذي يتألّق بنور الحقيقة وتتحقّق على مسرحه إنجازات المحبة.
5. الحقيقة والمحبة، الآتيتَين من الله، هما لغة الروح القدس، “البرقليط، روح الحق” (يو14: 16-17). وقد تمثّلت “بالألسنة المنقسمة كأنّها من نار، واستقرّت على كلّ واحد من الرسل الحاضرين في العلية” (أعمال 2: 3)، وظهرت في المعجزة التي عبّرت عنها الشعوب المختلفة التي حضرت إلى المكان، إذ “أخذتهم الحيرة، لأنّ كلّ واحد منهم كان يسمعهم يتكلّمون بلغته. فانذهلوا وقالوا: أليس جميع هؤلاء المتكلّمين جليليّين! فكيف نسمعهم كلّ واحد منا بلغته التي وُلد فيها” (أعمال2: 6-7).
إنّها لغة الحقيقة والمحبة التي يتكلّمها عديدون في مجتمعنا، والتي تنطق بها تيلي لوميار ونورسات بكلّ فضائياتها، لا سيّما بفضائية “نور الشرق”، وتجمع مشاهديها في كلّ أقطار الأرض. مشكلة العالم اليوم، ولا سيّما في لبنان وبلدان الشَّرق الأوسط، هي ضياع وغياب “لغة الحقيقة والمحبة” عند الكثيرين الذين يعيشون في برج بابل جديد (راجع تك 11: 1-9). وهو أنّهم يضعون الله جانباً وعلى هامش الحياة، بإقصائه والاستغناء عنه، وينتهكون رسومه ووصاياه، فتسود الفوضى والخلافات والانقسامات والحروب. إنهم يخنقون صوت الله المتردد صداه في ضمائرهم.
6. على مستوى حياتنا الوطنية في لبنان. الحقيقة هي الدستور، والمحبة هي الميثاق الوطني. عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية انتهاك خطير للحقيقة والدستور، يتسبّب بشلل المؤسّسات الدستورية. وقيام حكومة تحلّ محل الرئيس لمدّة غير محدّدة انتهاك خطير للمحبة والميثاق، إذ يقصي المكوّن المسيحي – الماروني عن الرئاسة الأولى. فلا المجلس النيابي يستطيع أن يقوم بوظيفته التشريعية، ولا الحكومة تجد السبيل إلى ممارسة صلاحياتها. p>
7. إنّنا نصلّي إلى الله، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيدة لبنان، أن يحرّك بروحه القدوس ضمائر السادة النوّاب وعقولهم وقلوبهم لكي يعودوا إلى الحقيقة والمحبة، ويُخرجوا البلاد من حالة البلبلة والانقسام والانشطار والشلل. نصلّي لكي يدركوا مسؤوليتهم عن تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي تخنق المواطنين؛ وعن إزلالهم للشعب بتجويعه وتهجيره وإهماله، هو الذي وَكَلَ إليهم خدمة الخير العام، الذي منه خير الجميع وخير كلّ إنسان؛ وعن انتهاك كرامة الوطن بحرمانه من رئيس يحمي الدستور ويسهر على وحدة الوطن، بقوّة القسم، ويعطي شرعيته لكل المؤسسات ويحرّكها، مثلما يفعل الرأس بأعضاء الجسد.
8. لقد كرّسنا في السادس عشر من حزيران 2013 لبنان وبلدان الشَّرق الأوسط لقلب مريم الطاهر في بازيليك سيدة لبنان – حريصا،مع بطاركة الكنائس الشرقية وأساقفتها، بمشاركة رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان. وسنجدّد معهم ومعكم هذا التكريس الأحد المقبل الخامس عشر من حزيران، على أقدام سيدة لبنان، وفينا رجاء وطيد أن الله يستجيب صلاتنا بشفاعتها، فيُخرج لبنان من أزمة الرئاسة الأولى ونتائجها، ويوطّد السلام والاستقرار في بلدان شرقنا المتوتّرة. إن كلّ البلدان التي تكرّست للسيدة العذراء، عبر التاريخ، خرجت من أزماتها وازدهرت وتقدّمت.
لكن التكريس لا يقف عند الإعلان، بل يقتضي تكريس الذات لكلِّ واحد منا، بحيث نعيش حياة اتّحاد مع الله بالصلاة وتلاوة المسبحة الوردية والسجود أمام القربان المقدس، وبأفعال المحبة تجاه الفقراء والحزانى والمهمّشين. وإنّنا ندعو إلى صلوات جماعية ومبادرات تضامنية في العائلات والرعايا والأبرشيات.
9. مع حلول الروح القدس، يوم العنصرة، بدأ زمن جديد، هو زمن الكنيسة الآتي من الله. زمن الوحدة والفرح، زمن الحقيقة والمحبة التي هي من ثمار الروح الذي يقول عنه الرب يسوع في إنجيل اليوم أنه مقيم عندنا وفينا” (راجع متى 14: 17). وقد قبلنا مسحته من المسيح رأس جسدنا بالميرون، فأصبحنا “مسيحيين”. ولأنّه مقيم في المؤمنين، فإنّنا نحيا به في الإيمان والرجاء والمحبة. ويسكن فينا الثالوث القدوس، كما يعدنا الربّ في إنجيله: “في ذلك اليوم تعرفون أنّي أنا في أبي، وأنتم فيّ وأنا فيكم” (يو14: 20).
10. أَرسلْ روحك أيّها المسيح، فيتجدّدَ وجهُ الأرض! بهذا الهتاف نلتمس حلول الروح القدس علينا في هذا اليوم المقدس، لكي نتجدّدَ به، فنشهد للحقيقة والمحبة، جاعلينهما لغتنا في العائلة والمجتمع، وفي الكنيسة والدولة. وبهما نرفع المجد والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الابد، آمين.
* * *