بكلّ بساطة ، حين نقول ” يسوع المسيح ” ، فذلك اعترافٌ إيمانيّ بإنّ يسوع هو المسيح . وفي الواقع ، لم يعرفه سوى عدد ضئيل من اليهود في زمانه . لماذا كان ذلك من الصعوبة بمكان ؟
بعدَ قيامة يسوع ، سأل التلاميذ : “ أفي هذا الزمان تعيد المُلك لاسرائيل “؟ (رسل 1 : 6 ) . كان ينتظر التلاميذ من يسوع ، أن يوطّد الإستقلال السياسيّ بتحرير البلاد من المحتلّ الرومانيّ . ولما كان من ” نسل داود (أي ملك) ، كان ينبغي أن يجلس على عرش أسلافه ، وفق وعد الله لداود ( 2 صمو 7 : 12 – 16 ) . كما كان ينتظر أن يجعل شعبه يعيش في سلام ، في احترام لحقوق الصغار ، لا بل كان من المتوقّع أن تدخل البشريّة كلّها ، وقد تحرّرت من كلّ حزن ، في طور سعادة لا نهاية لها
هناك صلاة يهوديّة من زمن يسوع ، عبّرت عن هذا الإنتظار الحيّ : “ انظر ، أيّها الربّ ، وأقم لهم ملكهم ، ابن داود ، في الزمن الذي تعرفه أنت ، يا إلهنا ، كي يملك على اسرائيل ، عبدك …. فهو الذي سيجمعُ الشعبَ المقدّس ويقوده بالعدل .. ولن يدع الظلمَ يسكنُ في وسطهم .. وهو سيدينُ الشعوب والأمم بحسب حكمة عدله .. ولن يضعف طيلة أيّامه ، بفضل إلهه ، لإنّ الله جعله قويّا بروحه القدّوس … تلك هي عظمة ملك أسرائيل ” .
لكن ، يسوع لم يحقق البتّة هذا ” الإنتظار القوميّ الدينيّ ” ، إنه حقّا (ابن داود) بواسطة يوسف ، ولقد ولد في بيت لحم ، ولكن لكونه سكن الناصرة ، لم ير الناسُ فيه سوى ” الجليليّ ” . ومع ذلك ، فإنّ الشفاءات التي صنعها أنبتت بعض الأمل : وكأننا بإزاء أحلام مستقبليّة تتغذّى دومًا : يمسحُ السيّد الربّ الدموع عن جميع الوجوه ” أش 25 : 8 . وأختصّ يسوع يومًا ، في مجمع الناصرة ، قولا لأشعيا : روح الربّ عليّ ، لإنه مسحني لأبشّر الفقراء ، وأرسلني لأعلن للمأسورين تخلية سبيلهم ، وللعميان عودة البصر إليهم … “ لوقا 4 : 18 مستشهدًا بــ أشعيا 61 . ولكنه في ذلك اليوم بالذات ، لم يحترح أيّة أعجوبة ! وفي يوم آخر ، حين أراد المجمع المتحمّس أن ينصبه ملكا ، هرب إلى الجبل ( يوحنا 6 : 15 ) . وهكذا ، لا تبدو السلطة السياسيّة همّه الأوّل والأساسيّ .
إذن ، لقد برهنت نهايته المأساويّة بوضوح ، لمعاصريه ، أنه ليس المسيح . فلقد حكمت عليه السلطات الدينيّة ، ولم يدافع عنه أحد . والأنكى ، كأنّ الله ذاته قد تخلّى عنه علنيّا ، طالما أنه تركه يموت على الصليبْ كعبد أو ” إرهابيّ “. وكان ينبغي لتلاميذه أن يعيشوا خبرة القيامة التي تفوق التصوّر ، ويتلقّوا موهبة الروح القدس ، كي يكتشفوا شيئا فشيئا أنّ الأمر هو على العكس تمامًا : فلقد ردّ الله له أعتباره : فهو إذن ، حقا المسيح ، ولكن بشكل لم يكونوا يتوقّعونه . وهذا ما سعت خطابات الرسل الأولى إلى تبيانه لليهود .. رسل 2 : 22 -36 ، 3 : 13 – 18