– مرَّ شهرٌ ولم تُدق النواقيس في الموصل وفي باقي الأَقضية والنواحي والقرى ولم تقام القداديس هناك بسبب استلاب “داعش” لأَرضينا وبيوتنا وكنائسنا وأَديرتنا وتهجيرنا قسرًا من هناك ولكنّنا نقيم القداديس في كلّ الأَمكنة التي نتواجد فيها (حديقة، ملعب، عمارة، مدرسة، …) وإِن لم نستطع إِقامة الإِفخارستيا، فإِنّنا نقيمها في قلوبنا … فالإِفخارستيا حياتنا كلّها، وهي أَهم مائدة عندنا، لأَنّها توحّدنا، وتقوّينا، وتجدِّدنا، وتحوّلنا … فالإِفخارستيا هي الذروة والقمة في الحياة المسيحيَّة وسرّ الإِفخارستيا سرّ الأَسرار ولبّها وكلما أقمنا الإِفخارستيا وشاركنا فيها ننقل إِلى عالمٍ آخر؛ عالم السماء، عالم الملكوت … – في نصّ الرّسالة الّتي ذكرناها سابقًا والّتي قرأت اليوم في القدّاس يذكّرنا بولس بظروف مجيئه إلى تسالونيقي، فيشير إلى سلوكه فيها، ويحدّد في الوقت عينه المواقف المطلوبة من حامل الرّسالة: * الشجاعة لإعلان الإنجيل في وجه المقاومات ** العمل بجرأة لا تستّر فيه *** وبتجرّد لا يريد أن يفرض سيطرته على الآخرين **** وبحبّ يهمّه أمر الجماعة أَمَّا الهدف الأَخير فهو أَن تشهد الجماعة لحضور ملكوت الله في العالم. لقي بولس في فيلبي معاملة سيئة كما نتلقى نحن أَيضًا معاملة سيئة في بعض الأَحيان من قبل بعض الناس ومرّات من أقرب المقرّبين إِلينا، ففهم وفهمنا أَنّ البشارة تلقى المعارضة. ولكنّه لم يتراجع، بل تجرأَ وتابع الرّسالة ونحن أَيضًا يجب أَن لا نتراجع، بل نتجرأَ ونتابع رسالة الكنيسة. فقوّته من الربّ لا من البشر، وهو يهتمّ في إِرضاء الله لا إِرضاء البشر ونحن أَيضًا لنستمد قوّتنا من الروح القدس لا من البشر ونهتمّ في إِرضاء الله لا إِرضاء البشر لأَنَّنا لا نستطيع أَن نُرضي الجميع أَبدًا مهما حاولنا، فيسوع نفسه لم يستطع أَن يرضي الجميع! كان ضمير بولس مطمئنًا: فعلى مستوى الكلام (لم يتملّق ولم يحابي أحدًا)، وعلى مستوى المال (لم يكن طماعًا)، وعلى مستوى الوجاهة (لم يطلب المجد من الناس). علينا نحن أَيضًا إِن أَردنا أَن يكون ضميرنا مرتاحًا وفكرنا صافي: أَن لا نتملّق ولا نحابي أَي شخص مهما كان وأَيًّا كان مركزه ولا نكون طماعين ونسعى وراء الأَرباح الخسيسة وأخيرًا أَن لا نطلب المجد الذاتي الباطل من الناس وإِنما نعمل كلّ شيء من أَجل أَن يتمجّد اسم الله. كان موقف بولس موقف أُمّ من أَولادها، بقلب مملوء بالحنان. هكذا يجب أَن يكون موقفنا من أَبناء وبنات رعيَّتنا. نحمل لهم الإِنجيل، لا بل نستعدّ لأَن نهب حياتنا من أَجلهم وخاصّةً في هذا الظرف القاسي الّذي يعيشونه. امتدح بولس أَيضًا إِيمان التسالونيقيِّين، وقدّم المعايير التي دلّت على جماعة مسيحيّة صادقة: تقبّلت كلمة الله، قادها هذا القبول إِلى الاهتداء والالتزام بالشهادة الملموسة لحضور الربّ يسوع وعمله. سار التسالونيقيِّين في خط الرّسول: ميّزوا بين كلام البشر (وما فيه من مكسب) وكلام الله (وما فيه من تجرّد). اختبروا كلام الله الذي قبلوه، من خلال العمل الّذي أَحدثه فيهم. حين نتجاوب كمؤمنين مع كلمة الله، حينئذٍ نصنع المعجزات! – وفي نصّ الإِنجيل الّذي ذكرناه سابقًا والّذي قرأناه اليوم في القدّاس وردت آية تقول: إسألوا تنالوا، أطلُبوا تَجِدوا، دُقّـوا البابَ يُفْتَحْ لكُم. * ماذا نسأَل؟ هل نسأَله عن العودة إِلى ديارنا أَم عن الهجرة أَم أَنَّنا نريد خيمة ومال وغذاء وحليب وملابس ودواء ووو! ** وماذا نطلب؟ هل نطالبه بأَن يتدخّل ويحلّ أَمنه وسلامه أَم نلومه ونبقى نتذمّر عليه ونشك في حضوره معنا؟ *** وباب من ندقّ؟ قرعنا أَبواب كثيرة ولا من إِستجابة أَو لقينا إِستجابة ضعيفة! كثير من الأَبواب انسدت بوجهنا أَو لم تفتح أَو فتحت وطردونا! وقرعنا بابه وإِنَّنا ننتظر أَن يفتحه لنا وبوجهنا (الانتظار = الرجاء)! إّيَّاك نسأَل ومنك نطلب وبابك نقرع أَنت الَّذي أَعطيت عطيَّة العطايا: “الرُّوح القدس”. أَعطنا الخلاص، لا الهلاك أَعطنا الحياة، لا الموت أَعطنا الخير، لا الشرّ اجمعنا، ولا تبدّدنا يا الله يا راعينا الأَوحد.
–