المقابلة العامة 24 أيلول حول الزيارة الرسولية إلى ألبانيا

الأخوات والإخوة الأحباء، صباح الخير!

Share this Entry

أودُّ اليوم أن أتحدّث معكم عن الزيارة الرسولية التي قمت بها إلى ألبانيا يوم الأحد الماضي. وأقوم بهذا أولا كفعل شكر لله، الذي منحني أن أقوم بهذه الزيارة كي أُظهر، بطريقة محسوسة وملموسة، قربي وقرب الكنيسة بأسرها من هذا الشعب. وأود كذلك أن أعبر عن إمتناني الأخوي للأساقفة الألبان، والكهنة والمكرسين والمكرسات الذين يخدمون بالتزام كبير. يتوجه امتناني أيضًا إلى المسؤولين الذين استقبلوني بكياسة كبيرة، وكذلك لجميع الذين تعاونوا لتحقيق هذه الزيارة.

لقد ولدت هذه الزيارة من الرغبة في الذهاب لبلد، بعد أن عانى طويلا من القمع من سلطة ملحدة ولاإنسانية، يعيش الآن خبرة تعايش سلمي بين أتباع الأديان المختلفة. وقد بدا لي من الأهمية بمكان أن أشجعه للاستمرار في هذا الطريق، ولمتابعته بمثابرة أكثر للتعمق في جميع جوانبها من أجل الخير العام. لهذا كان اللقاء بين مختلف الأديان في قلب هذه الزيارة، حيث تمكنت أن أرى، بسرورٍ شديد، أن التعايش السلمي والمثمر بين الأشخاص والجماعات المختلفة ليس مجرد أمنية، بل هو أمر ممكن وواقعي. وهم يمارسونها! إنه حوار أصيل ومثمر، بعيدا عن النسبية ويحترم الهوية الخاصة بكل فرد. فما يجمع هذه التعددية الدينية في الواقع هو مسيرة الحياة، والإرادة الصالحة للقيام بالخير تجاه القريب، بدون التقليل أو الإنكار للهويات الخاصة.

وقد كان اللقاء مع الكهنة والأشخاص المكرسين والإكليركيين وأعضاء الحركات العلمانية فرصة للتذكر الممتن، والمفعم كذلك بالتأثر، للعديد من شهداء الإيمان. فبفضل وجود بعض الأشخاص المسنين، والذي عاشوا تلك الاضطهادات المفزعة، وتردد صدى الإيمان للعديد من شهود الماضي الأبطال، والذين اتبعوا المسيح حتى النهاية متحملين النتائج مهما كانت. فمن اتحادهم العميق بيسوع، ومن علاقة الحب معه تفجّر في هؤلاء الشهداء – كما في كل شهيد – القوة اللازمة لمواجهة تلك الأحداث المؤلمة التي قادتهم إلى الاستشهاد. إن قوة الكنيسة اليوم أيضًا، كما كان بالأمس، لا تكمن في قدراتها التنظيمية أو المؤسساتية، وإن كانت مهمة: الكنيسة لا تجد قوتها في ذاك، بل قوتها في محبة المسيح! قوة تساعدنا في الأوقات الصعبة وتلهم عمل الكنيسة الرسولي الحالي كي تقدم للجميع الغفران والخير، شاهدة هكذا لرحمة الله.

وقد تمكنت، أثناء عبوري في طريق تيران الأساسي، والذي يقود من المطار وحتى الساحة الكبرى المحورية، من رؤية صور الكهنة الأربعين الذي قتلوا أثناء الديكتاتورية الشيوعية، والذين من أجلهم قد فُتحت دعوى تطويبهم. فهؤلاء، بالإضافة إلى المئات من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، قد قتلوا، وعذبوا وسجنوا وتم نفيهم، فقط لأنهم كانوا يؤمنون بالله. لقد كانت سنوات مظلمة، تم خلالها تقويض الحرية الدينية وحُظِر الإيمان بالله، وتم تدمير المئات من الكنائس والمساجد وتم تحويل العديد منها إلى مخازن ودور سينما تقوم بالدعاية للأيديولوجية المركسية، وتم حرق الكتب الدينية، ومُنِع الأهل من منح أبناءهم أسماء دينية لأسلافهم. إن تذكر هذا الأحداث المأساوية هو أمر ضروري من أجل مستقبل هذا الشعب. ذكرى الشهداء الذين ثبتوا في الإيمان هو الضمان لمصير ألبانيا؛ لأن دماءهم لم تسفك هدرًا، بل هي بذار ستحمل ثمار السلام والتعاون الأخوي. فألبانيا اليوم هي بالحقيقة نموذج، لا فقط لازدهار الكنيسة مجددًا، ولكن كذلك للتعايش السلمي بين الأديان. لهذا فإن الشهداء ليسوا الخاسرين بل المنتصرين: ففي شهادتهم البطولية تسطع قدرة الله الذي يعزي شعبه على الدوام، ويفتح أمامه دروبا جديدة وآفاقا من الرجاء.

إن رسالة الرجاء هذه تتأسس فوق الإيمان بالمسيح وذكرى الماضي، هذا ما أوكلته للشعب الألباني بأسره – شعب رأيته مفعم بالحماس وبالفرحة في الأماكن التي تقابلت فيها معه وفي الاحتفالات، وكذلك فوق طرقات تيران. وقد شجعت الجميع على أن ينهلوا دائما طاقة جديدة من الرب القائم، كي يتمكنوا من أن يكون الخميرة الإنجيلية في المجتمع وأن ينخرطوا، كما فعلوا، في الأنشطة الخيرية والتربوية.

أشكر الرب مجددا لأنه منحني، من خلال هذه الزيارة، أن أتقابل مع شعب جسور وقوي، لم ينحني ابدا فوق جراحه وآلامه. وأجدد الدعوة للإخوة والأخوات في ألبانيا للقيام بالخير بشجاعة، كي يشيِّدوا الحاضر والمستقبل لبلدهم ولأروبا. وأستأمن ثمار زيارتي لعذراء المشورة الصالحة، المكرمة في مزار سكوتاري، لتستمر في إرشاد هذا الشعب-الشهيد. لتجعله خبرة الماضي الأليمة دائما أكثر تأصلا في الانفتاح تجاه الإخوة، وخاصة تجاه الأكثر ضعفا، وتجعله فاعلا اساسيا في دينامية المحبة الضرورية جدا في السياق الاجتماعي والثقافي الحالي. وأرغب اليوم أن نوجه جميعا تحية لهذا الشعب الجسور الهُمام، والذي بسلام يبحث عن الوحدة.

– جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية – 

Share this Entry

Francesco NULL

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير