الصلاة: هي حقّاً في صميم الحياة المسيحية

سيُخطِئُ البعض إذا ظنّوا بأنّ هذا المقال يهدف إلى الدعوة من جديد للذهاب إلى قدّاس الأحد، وممارسة الصلوات التقويّة المختلفة، واحياء سهرات انجيلية أو مجموعات للمشاركة. فهذه الأمور ممتازة بحد ذاتها، وبعضها لا غنى عنه، كالقداس الإلهي. لكن للحياة الروحيّة وحياة الصلاة بعداً آخر: هو الصلاة الشخصيّة “بالروح والحق”.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

“علّمنا يا ربّ أن نصلّي” (لوقا 11: 1). بهذه الكلمات عبر تلاميذ المسيح يوماً عن رغبتهم في الصلاة، بعد أن رأوا يسوع نفسه يصلّي. ويحق لنا، بل يجب علينا نحن أيضاً أن نتسائل، من حين إلى آخر، عن حال صلاتنا. عن أحوال علاقتنا الحميمة والشخصية بالله، مستذكرين في أوقات الجفاف الروحي، احدى الخبرات الروحيّة القويّة التي شعرنا خلالها يوماً بأننا أقرب ما يكون إلى الله!

لا يمكن لأحد أن يدعيّ بأن هنالك شكلاً واحداً ووحيداً للصلاة الشخصيّة. لكنّ للصلاة ولا شك أُسُساً واحدة، تشترك بها “مدارس الصلاة” المختلفة، وتلتقي عندها: إنها معيار الصلاة “بالروح والحقّ” الذي تركه لنا المسيح نفسه، خلال حواره مع السامريّة وحديثه معها عن ماء الحياة.

تبدأ الصلاة عندما نتنبّه إلى هذا العطش الكبير الكامن في عمق أنفسنا، والذي “نَدحَرُه”، عن وعي أو بغير وعي، عندما نترك أنفسنا ننقاد فقط وراء هموم الحياة على اختلاف مستوياتها. فتدور الأيّام، ولا نتقدّم روحيّاً. نعلم جميعاً بأن واقع هذه الحياة هو عابر. ونقول بمليء أفواهنا في قانون الإيمان (إمّا عن دراية أو من منطلق العادة): أننا نؤمن بالحياة في الدهر الآتي، فماذا نفعل كي نرث هذا الدهر الآتي ونستعد له؟ هل نصغي إلى صوت الأبدية في عمق أنفسنا؟

من هنا فإن من المهم بداية أن نعي ونميز بوضوح هذا العطش ونأخذ من ثمّ “القرار”، وبحزم، أن نضع الصلاة في مركز حياتنا. أن نجعل من الصلاة الشخصيّة “لقاءاً” يوميّاً، قدر المستطاع، لا يغيب عن “أجندتنا”.

لن نتطرق في هذا المقال، الذي يجب أن يظلّ مقتضباً، إلى أساليب الصلاة المختلفة وكيفيّة تنفيذ هذا القرار عمليّاً. فهدفنا هنا هو المرحلة الأولى فقط من حياة الصلاة: أي خلق الوعي بهذا البعد الكامن داخلنا والمندثر غالباً في طبقات نفسنا السفلى.

دعونا نتطرق الآن إلى بعض الجوانب من الصلاة.

الصلاة هي أولاً وقفة حقّ أمام النفس وأمام الله. نقابل خلالها وجهنا الحقيقي، الذي يعرفه الله، ونتحدث في شأنه مع الله تماماً كالإبن مع أبيه. كي نستطيع ذلك، لا بد من الوصول أولاً إلى مستوى معيّن من السكينة الداخلية. يقول المزمور: “أصمت أمام الرب وانتظره” (مز 37: 7). فالله يتكلّم في السكون لا في الضوضاء. ويجب أخذ الوقت الكافي قبل أن نصل إلى هذا السكون، الذي مع الممارسة يغدو الوصول إليه، بشكل عام، أسهل في كلّ مرّة. يمكن أن نبدأ هذه المرحلة بالتأمل في كلمات يسوع: “ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه” (متى 16: 26)، فهي تعيد تركيزنا إلى ما هو مهم وجوهري في حياتنا.

الصلاة هي أيضاً اصغاء للرغبة العميقة الكامنة في داخلنا جميعاً، التي وضعها الله، والتي يجب أن نتعرف عليها كي نجد الفرح. هنا تغدو الصلاة أفضل مقامٍ للتمييز الروحي أو اختبار الأرواح الذي يدعونا إليه القديس يوحنا في رسالته الأولى (4: 1). الهدف هو أن نعرف هل تأتي هذه الأرواح (الأفكار والهواجس ..الخ) من الله أم من الشيطان أم من طبيعتنا، فنبني بذلك بيتنا على الصخر.

الصلاة طريق متاح للجميع. هي تمرين مستمر نهتم بها كي نصل إلى الحريّة الداخلية فنصير أشد في مواجهة مصاعب الحياة، راسخين في الله، ومصغين إلى حاجات الإخوة.

المصدر: البطريركية اللاتينية في القدس

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Firas Abou Abdo

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير