الله الآب وسرّ الرحم الأموميّ

لم يكشف لنا يسوع عن ذاته ، بل كشفَ لنا من هو الله- الآب من خلاله . يصرّ علينا يسوع  ، أنّ الديانة تحتاج إلى  ” مسكة – لزمة ” قويّة . داخل سرّ العلاقة التي كشفها لنا يسوع ، والتي سنراها بعدَ قليل ، هناكَ ” معرفة ” من نوع ٍ جديد خاصّ . البنوّة ليس  فيها ، ولا تقبل ـ خط رجعة . لا يجوز ، مع يسوع ، أن نبقى على العتبة ، بل أن ندخل إلى اللبّ

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

لماذا نسمعُ يسوع يقول لنا في الإنجيل ، إنّ أفكارنا ليست أفكاره . فأفكاره هي أفكار الله ، لا البشر . ونحنُ ، غالبًا ما ، أفكارنا تخالف أفكار الله كبطرس ! فنحنُ ، أحيانا كثيرة ، لا ندرك ما يريد يسوع منّا.. نتخبّط هنا وهناك في معرفة سرّ بنوّته الحقيقيّة . وربمّا يصابُ الكثيرين بــ ” الشكّ ” ، لقد دوّخنا وحيّرنا يسوع معه فعلا

نحنُ لسنا متعوّدون على ما كشفه لنا يسوع عن الله المختلف ؛ إنه كشف َ الجديد ، كشف بصورة ٍمختلفة لم نعرفها أبدًا ، ولم تكن في حسباننا . لإننا متمسّكين     

بتصوّراتنا القديمة المستهكلة عنه ، يقولُ يسوع لنا ، ولو انه لا وجود لنصّ صريح بما قاله ، لكننا ومن خلال كلماته وأفعاله نستشفّ ذلك  : البنوّة ستعلّمك

فكلّ كلامنا عن يسوع ، اجتماعي ثقافيّ . يسوع قبلَ القيامة شيء ، وبعد القيامة شيءٌ آخر .. الرسل كانوا مع يسوع الأرضيّ ، عاشوا معه ، وفي أحيان كثيرة ، لم يدركوه ولم يفهموا ما أراده وكانت صعبة على عقولهم ، كلماته وعلاماته .  وكانت تدور حوله أفكار وتصوّرات وتخيّلات متنوّعة ، كُشفت بعد قيامته

نعود قليلا لسرّ العلاقة والترابط بين الأمّ وطفلها ؛ وكيف يمكنُ أن نترجمها لواقع العلاقة التي هي بين الآب والإبن (الله والإنسان ). كما نعرف ، في العهد القديم ، أنّ الخروج- العبور – الفصح ، هو الحدث الأهمّ في تاريخ شعب العهد القديم . ما فتئ يتذكّره ويعيشه من خلال تقلّبات التاريخ ، وتعدّد خياناته ودعوات انبيائه إلى التوبة . ومن خلال حثيث ومستمرّ لتجديد العهد . لنقرأ ما يقوله العهد القديم في : هوشع 11 : 8 ، ارميا 31 : 20

لتقصّي طبيعة الله في عهده الأوّل ، نكتشف كلمة مهمّة جدّا ، هي كلمة : “ حيسيد ” العبريّة . وتقابلها بالعربيّة ” ألرحمة ” ، أي أنّ الله رؤوفٌ ، والإنسان متّجه إليه متعاطف معه تعاطفا أبديّا : اشعيا 54 : 7 ،  خروج 34 : 6 و7  ، تثنية 7 : 9 – 12 . ليست رحمة الله ( الرحم الإلهيّ ) ، صفة من صفاته ، إنّه الرحوم الرؤوف بكلّ معنى الكلمة ، إنّها  مستقيمة بلا شائبة

الأمّ ، رحمتها وحنانها على طفلها ، مستقيمة . لهذا ، يستطيعُ الطفل أن ينامَ مطمئنّا في حضنها ، ويثق ثقة كاملة بها . أي أن يؤمن بها . أقرأ ما يقوله الكتاب عن الله في :  هوشع 11 : 4 ، 2 : 16 ، ارميا 31 : 3 . لنراجع أيضا : نشيد الأناشيد . كلّ هذه النصوص ، تكشف عطف الله وتُظهر قوّته 

الله الآب ؛ معاشرة ، ألفة ، صداقة . طعام يسوع هو أن يعمل بمشيئة أبيه ويأكلها. فطعامُ الإبن هي إرادة الآب . فالإبن ليس هذا الذي يرضَخ لإرادة الله قسرًا ، بل إنه يعيش ” خبرة ” الآب ذاتها ، ويكونُ هو إرادة الله على الارض (قائم مقامه) . ارادة الله ، هي أن نكون مثل الله محبّين مجّانا ، ” بلاش “

الآبُ يسيرُ معنا دائمًا في دروب حياتنا ، محرّرا ، مخلّصا . فلقد أولَدَ الله الآب شعبه من خلال عبوره من رحم الماء ، فالحدّ الفاصل بين حافّة الموت والحياة : هي الولادة الجديدة : الخلق

كشفَ يسوع الآب ، للتلاميذ ولنا ؛ هو أنه ، بالموت والقيامة ،  خلقنا من جديد ، فكشف لنا صورة لم نكن نتوقّعها قطّ . صورة الآب الخلاّقة ، لكنّه لا يعملُ وحده في زاوية من الكون ، يدبّر ويسجّل على الورق ، بل معنا ومن خلالنا . إنه يكشف عن ذاته ، من خلال سرّ البنوّة والألم ، والفشل الظاهر للعالم !  لكنه فشلٌ خلاّق وبنّاء ، إنه يكشف عن ذاته من خلال ضعف الصليبْ

 كما تنظر الأمّ لطفلها لتخلقه .. هكذا الآب ، يخلقنا بنظرة ٍ وإهتمام وحنان ورحمة ومحبّة . لكن ، لا يمكننا أن نشبّه الأمر إلا عن طريق المقايسة ..! فرحمة الله 

أكبر من مليون رحمة العالم .. وعلاقة يسوع بالآب ، أكبر من علاقة الأمّ بطفلها . إن سرّ يسوع وبنوّته للآب : إنه الشعور الحميم .. وشعوره ليس وهمًا وهلوسات ، بل حقيقة وواقع انعكسا في حياته وتعاملاته

كشفُ يسوع للآبوّة ، لا يشبه كشفَ العهد القديم للأبوّة التي هي ، غالبًا ما ، على ثلاث أن أشكال

الخالق = المُنجب

الرازق = المُعيل

مانحُ الوصايا = المربّي – المعلّم

مع يسوع ، هذه الأشكال الـثلاثة ليس موجودة . فيسوع كشف لنا نوع رابع ، لكنّه صعب … لإنه ينكشفُ من خلال : الصليب . والحريّة والمسؤوليّة يلعبان الدور المهمّ ، ولا مجال للتبعيّة ولا للكسل ولا للتراخي ، ولا للإتكاليّة ، ولا للوسواسيّة .. هناكَ عزلة أبناء الله ، التي هي : مسؤوليّة وحريّة وأيضا ، ألم . فإن كان أبينا الأرضيّ هو خلفنا ، فالله أبينا السماويّ هو ” أمامنا ” ، إنه مستقبلنا . يشرح يسوع لنا سرّ هذه البنوّة والأبوّة ، بإنها ولادة من الآب ، لكنّها تتمّ تدريجيّا ؛ في مراحل الحياة . ويصوّرها يسوع ، كعودة إلى طفولة وكدخول في خصوصيّة بنوّة جديدة كلّها دهشة وتعجّب ومفاجآت . ويقولُ يسوع لنا : من رآني فقد رأى الآب .. يوحنا 15 : 9 – 10

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير