زار البابا فرنسيس في نهاية الأسبوع الماضي، وبالتحديد صباح السبت الضريح العسكري الجماعي في ريديبوليا بمحافظة غوريتسيا الإيطالية للصلاة من أجل ضحايا الحروب وذلك في الذكرى المئوية الأولى لاندلاع الحرب العالمية الأولى.
وقد صلى البابا خلال الزيارة أمام النصب التذكاري الرئيسي وبعد ذلك احتفل بالقداس الإلهي بمشاركة عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية وحشد كبير من المؤمنين. وفي معرض القداس تلا البابا فرنسيس عظة قال فيها:
بعد التأمل بجمال طبيعة هذه المنطقة حيث يعمل رجال ونساء فيما يربون عائلاتهم، وحيث يلعب الأولاد ويحلم الشيوخ… أجد نفسي في هذا المكان عاجزاً عن التفوّه بشيء سوى جملة: إنّ الحرب جنون محض.
وفيما يتابع الله خلقه ويدعونا نحن البشر للمشاركة في عمله، نجد أن الحرب تدمّر وتقضي أيضاً على أجمل ما صنعته يداه: الإنسان. كما وتشوّه الحرب كل شيء، حتى الصلة بين الإخوة. فالحرب جنونية وخطتها الوحيدة تقضي بالدمار: الانتشار عبر الدمار.
إنّ الجشع وعدم التسامح وحبّ السلطة دوافع تبعث على اتخاذ قرار شنّ الحرب، وهذه الدوافع غالباً ما تبررها إيديولوجية. لكن بداية، هناك الشغف والاندفاع المشوّه. فالإيديولوجية تبرير، وفي غياب الإيديوليجية هناك جواب قايين: “ما همّني؟ أحارس أنا لأخي؟” (تك 4،9). إنّ الحرب لا تنظر مباشرة إلى عيني أحد، سواء كان شيخاً أو ولداً أو أمّاً أو أباً… “ما همّني؟”
فوق مدخل هذه المدافن يرفرف الشعار الساخر للحرب “ما همّني؟”. كانت لكل هؤلاء الراقدين هنا مخططاتهم وأحلامهم، إلا أنّ حياتهم قُطعت، وقالت البشرية: “ما همّني؟”
اليوم أيضاً بعد الفشل الثاني في حرب عالمية أخرى، يمكننا ربما التكلم عن حرب ثالثة تُشنّ “بالتجزئة” وترافقها جرائم ومذابح ودمار.
بصراحة، يجب أن تحمل الصفحة الأولى في الجرائد عنوان “ما همّني؟” فيجيب قايين “أحارس أنا لأخي؟”
<p>هذا السلوك مغاير تماماً لما يطلبه يسوع في الإنجيل. لقد سمعناه يقول إنه في أصغر واحد من إخوته الصغار، هو الملك ديّان العالم، وهو الجائع والعطشان والغريب والمريض والسجين. من يعتني بأخيه يدخل فرح سيّده، لكن من لا يفعل ومن يغفل قائلاً “ما همّني؟” يبقى خارجاً.
هنا، نرى الكثير من الضحايا ونتذكّرهم اليوم باكين متألمين. ومن هنا أيضاً نتذكّر ضحايا كل الحروب.
واليوم أيضاً، عدد الضحايا كبير… فكيف يُمكن هذا؟ إنّ هذا ممكن لأن ثمة مصالح وخططاً جغرافية سياسية وجشعاً للمال والسلطة في الكواليس، وهناك أيضاً صناعة الأسلحة التي تبدو بغاية الأهمية.
وقد كتب مدبّرو الإرهاب ومنظمو المواجهات، كما تجّار الأسلحة في قلوبهم: “ما همّني؟”
على الحكماء أن يعرفوا أخطاءهم وأن يتألموا لاقترافها ويندموا عليها وأن يطلبوا السماح ويذرفوا الدموع.
لعلّ تجّار الحرب، المطبوعة في قلوبهم جملة “ما همّني؟”، يجنون الكثير من المال إلا أنّ قلبهم الفاسد خسر القدرة على البكاء. قايين لم يبكِ، وظلّه يغطّينا اليوم في هذه المقبرة. نراه هنا ونراه عبر التاريخ الممتد من 1914 إلى أيامنا هذه، ونراه أيضاً في حاضرنا.
بقلب ابن وأخ وأب، أطلب منكم جميعاً ولأجلنا جميعاً التوبة الحقيقية النابعة من القلب، والانتقال من “ما همّني؟” إلى ذرف الدموع، لأجل كلّ من سقطوا في “المجزرة العديمة الجدوى”، وكلّ ضحايا جنون الحرب في كلّ زمن. إنّ البشرية بحاجة إلى البكاء، والوقت الآن مناسب لذرف الدموع.
*
نقلته إلى العربية ندى بطرس – وكالة زينيت العالمية